الناس كلهم وقصروا إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى مِنى، فأهلوا بالحج، وَرَكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، فأمر بقبة من شعر تُضْرَبُ له بنمرة فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال:"إِنَّ دِماءَكُمْ وأموالَكُمْ حَرامٌ عليكُمْ كحُرمةِ يومِكُمْ هَذا فِي شهركُمْ هَذا فِي بلدِكُمْ هَذا، أَلاَ
ولهنَّ عليكُمْ رزقَهُنَّ وكسوتهنّ بالمعروفِ، وقَدْ تركتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تضلُّوا بعدَهُ إِنِ اعتصمتُمْ بِهِ كِتابُ اللهِ، وأَنتُم تُسْأَلُونَ عَنِّي فما أَنتُمْ قَائِلُونَ؟ " قالوا: نشهد أَنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس "اللهمَّ اشهدْ اللَّهُمَّ اشهدْ" ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حَبْلَ المشاة بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى:"أَيَّها النّاسُ السكينةَ السكينةَ" كلما أتى حبلًا من الحبال أرخى لها قليلًا حتى