للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً: روى البخارى بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى، إن كان من أهل الجنة؛ فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار؛ فمن أهل النار يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة" (١) وهذا فى معنى الآية (٢) .

... أما زعمهم بأن أحاديث عذاب القبر آحاد لا يحتج بها هنا فى العقائد، فقد سبق أن جماعة من الأئمة نصوا على أن الأحاديث الواردة فى عذاب القبر، وسؤاله، ونعيمه، متواترة بمجموعها تواتراً معنوياً، وإن لم يبلغ آحادها حد التواتر.

وحتى لو كانت أحاداً لوجب علينا التسليم لها، والإيمان بمضمونها، متى ثبتت صحتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن دلت على عقيدة خلافاً لمن أبى ذلك.

فخبر الآحاد حجة فى العقائد كما سبق تفصيله فى غير موضع من البحث (٣) .

وأما دليلهم العقلى فيجاب عنه بالآتى:

أولاً: هذا إقحام منهم للعقل فى أمر لا طاقة له به، ولا مدخل له فيه؛ لأن عذاب القبر ونعيمه أمر غيبى لا عهد للعقول به فى هذه الدار، ولا يمكنها أن تصل إلى كيفيته، وإنما يتوقف الإيمان فيه على النصوص الواردة، وإن كان العقل لا يمنع وقوعه، والشرع لا يأتى بما تحيله العقول، ولكنه يأتى بما تحار فيه العقول (٤) .


(١) أخرجه البخارى "بشرح فتح البارى" كتاب الجنائز، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشى ٣/٢٨٦ رقم ١٣٧٩، ومسلم "بشرح النووى" كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ... إلخ ٩/٢١٨ رقم ٢٨٦٦، واللفظ لمسلم.
(٢) انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة ١/٤١٤ – ٤١٥.
(٣) راجع: إن شئت ص ٤٩٧، ٥٥٢-٥٦٦، ٧٥١-٧٥٣، ٧٥٧، ٧٥٨، ٧٨٧-٧٨٨.
(٤) انظر: شرح الطحاوية ٢/١٣٦بتصرف.

<<  <   >  >>