للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: إن الحياة التى يحياها الميت فى قبره والتى دل عليها حديث النبى صلى الله عليه وسلم، فى قوله: "فتعاد روحه إلى جسده" (١) حياة أخرى غير هذه الحياة المعهودة فى الدنيا التى تقوم فيها الروح بالبدن، وتصرفه، وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء، وهذا أمر لا يكذبه العقل ولا ينفيه (٢) .

يقول ابن قيم الجوزية – رحمه الله – "إن الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:

أحدها: تعلقها به فى بطن الأم جنيناً.

الثانى: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.

الثالث: تعلقها به فى حال النوم فلها به تعلق من وجه، ومفارقة من وجه.

الرابع: تعلقها به فى البرزخ (٣) ؛ فإنها وإن فارقته وتجردت عنه، فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً بحيث لا يبقى لها التفات إليه البته.

الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتاً، ولا نوماً، ولا فساداً.

... وإذا كان النائم روحه فى جسده وهو حى، وحياته غير حياة المستيقظ، فإن النوم شقيق الموت، فهكذا الميت إذا أعيدت روحه إلى جسده، كانت له حال متوسطة بين الحى وبين الميت الذى لم ترد روحه إلى بدنه، كحال النائم المتوسطة بين الحى والميت، فتأمل هذا يزيح عنك إشكالات كثيرة" (٤) .


(١) جزء من حديث البراء بن عازب الطويل فى شأن عذاب القبر، والحديث أخرجه أبو داود فى سننه بطوله، فى كتاب السنة، باب فى المسألة فى القبر وعذاب القبر ٤/٢٣٩، ٢٤٠ رقم ٤٧٥٣، وأحمد فى المسند ٤/٢٨٧ – ٢٨٨، وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ٣/٥٢ – ٥٣.
(٢) انظر: الروح ص ٦٢، وفتح البارى ٣/٢٤١.
(٣) البرزخ: هو الحاجز بين الشيئين، والمراد به الفترة ما بين الموت إلى القيامة. انظر: القاموس المحيط ١/٢٥٥.
(٤) الروح ص ٦٢، وانظر: شرح العقيدة الطحاوية ٢/١٣٦.

<<  <   >  >>