للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. وتكون الآية التى معنا قد نبهت على أمر خطير: هو أنه إذا كان الأمر فى الأمم السالفة ينتهى إلى إلغاء الشريعة بعد معارك عنيفة بين الرسل وأممهم؛ فإن هذه الشريعة قرآناً وسنة سيحفظها رب العزة إلى قيام الساعة من كيد أعدائه وأعداء دينه كما وعد فى قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (١) .

... وعلى ذلك فإن الذكر فى الآية مراد به الشريعة، ويكون الضمير فى قوله "له" عائد على الشريعة بمصدريها الأساسين القرآن الكريم، والسنة المطهرة (٢) .

قلت: ومما يرشح لهذا الاحتمال الثانى: تفسير الإمام الشاطبى للحفظ المضمون فى الآية الكريمة؛ بأنه حفظ أصول الشريعة وفروعها فيقول: "من العلم ما هو من صلب العلم، ومنه ما هو ملح العلم لا من صلبه، ومنه ما ليس من صلبه ولا ملحه. فهذه ثلاثة أقسام:

... القسم الأول: هو الأصل والمعتمد، والذى عليه مدار الطلب، وإليه تنتهى مقاصد الراسخين وذلك ما كان قطيعاً أو راجعاً إلى أصل قطعى. والشريعة المباركة المحمدية منزلة على هذا الوجه، ولذلك كانت محفوظة فى أصولها وفروعها؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٣) ؛ لأنها ترجع إلى حفظ المقاصد التى بها يكون صلاح الدارين: وهى الضروريات والحاجيات، والتحسينات وما هو مكمل لها ومتمم لأطرافها وهى أصول الشريعة، وقد قام البرهان القطعى على اعتبارها، وسائر الفروع مستندة إليها، فلا إشكال فى أنها علم أصل، راسخ الأساس، ثابت الأركان (٤) .


(١) الآية ٩ من سورة الحجر.
(٢) السنة الإسلامية بين إثبات الفاهمين ورفض الجاهلين للدكتور رءوف شلبى ص٢٥-٢٩ بتصرف.
(٣) الآية ٩ من سورة الحجر.
(٤) الموافقات للشاطبى ١/٣٢، ٧٠، ٢/٣٦٨ - ٣٧١.

<<  <   >  >>