للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأمثال هذه السنن المباحة والمندوبة الأخذ بها فضيلة ويثاب ويمدح الإنسان على فعلها، وإن تركها لم يكن مخطئًا، ولا عقاب ولا لوم عليه.

وأصل هذه السنن في كتاب الله قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (١) .

فهذا هو معنى الحديث على فرض صحته، فأين الدلالة فيه على عدم حجية السنة ووجوب عرضها على كتاب الله؟!!

وبعد

هذا ما قاله أهل العلم في أحاديث عرض السنة المطهرة على القرآن الكريم، التى أسس عليها أعداء الإسلام منهجًا خاصًا بهم في الحكم على صحة السنة بوجوب عرضها عل الكتاب.

فما وافقه؛ فهو حجة، وما خالفه ولو مخالفة ظاهرة يمكن الجمع بينهما؛ فباطل مردود ليس من السنة.

وهذا منهج باطل، مردود، عماده الكذب والخديعة: لأنه يفضي إلى نفي حجية السنة النبوية التى لها دور في بيان الكتاب وتفسيره، أو التى أفادت حكمًا مستقلاً: لأن كلاً من النوعين غير موجود فيه، فتكون وظيفة السنة مقصورة على تأكيد القرآن فقط، وبالتالى الحجة فيه وحده، ولا حجة في السنة على أي حكم شرعي بذاتها؛ لأنها لو كانت حجة على شئ لما توقف ذلك على ثبوت الشئ بحجة أخرى، وهذا كلام باطل لا يصح؛ لأن أحاديث العرض عند عرضها على كتاب الله وجدناها مخالفة لما فيه؛ لأنه لا يوجد في كتاب الله أن لا يقبل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلا ما وافق كتاب الله بل يوجد في كتاب الله إطلاق التأسى به، والأمر بطاعته مطلقة من غير تقييد، والتحذير من مخالفة أمره جملة على كل حال.

وكما سبق من قول الأئمة: البيهقي، وابن عبد البر، وابن حزم (٢) ومن ثم فقد رجعت أحاديث العرض على نفسها بالبطلان، ثم إنه ورد في بعض طرقها عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.: " إنه سيأتيكم منى أحاديث مختلفة، فما أتاكم موافقًا لكتاب الله وسنتى فهو مني، وما أتاكم مخالفًا لكتاب الله وسنتى فليس مني" (٣) .


(١) الآية ٢١ من سورة الأحزاب، وانظر: التعريفات للجرجاني ص ١٦١، ١٦٢.
(٢) راجع: ص ٢٢٤، ٢٢٥.
(٣) أخرجه الخطيب في الكفاية ص ٦٠٣، وانظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالنسة ص ٣٨.

<<  <   >  >>