للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: أنه لو قدم العقل على النقل؛ لجاز إبطال الشريعة بالعقل، وهذا محال باطل.

وبيان ذلك: أن معنى الشريعة أنها تحد للمكلفين حدودًا في أفعالهم، وأقوالهم، واعتقاداتهم وهو جملة ما تضمنته. فإن جاز للعقل تعدى حد واحد، جاز له تعدى جميع الحدود؛ لأن ما ثبت للشيء ثبت لمثله، وتعدى حد واحد هو بمعنى إبطاله، أي ليس هذا الحد بصحيح، وإن جاز إبطال واحد، جاز إبطال السائر، وهذا لايقول به أحد، لظهور محاله" (١) فكان تقديم العقل على النقل _ لا لشئ إلا لأنه عقل _ يتضمن القدح في العقل والنقل _ كما مر وهذا ظاهر لا خفاء فيه.

ويقول الدكتور السباعي _ رحمه الله تعالى _: ولننظر إلى المسألة من ناحة أخرى. ولنفرض أن تحكيم العقل في الأحاديث هو الصواب، فنحن نسأل: أي عقل هذا الذي تريدون أن تحكموه؟

أعقل الفلاسفة؟ إنهم مختلفون، وما من متأخر منهم إلا وهو ينقض قول من سبقه.

أعقل الأدباء؟ إنه ليس من شأنهم، فإن عنايتهم _ عفا الله عنهم _ بالنوادر والحكايات.

أعقل علماء الطب، أم الهندسة، أم الرياضيات؟ مالهم ولهذا؟

أعقل المحدثين؟ إنه لم يعجبكم، بل إنكم تهمونه بالغباوة والبساطة.

أعقل الفقهاء؟ إنهم مذاهب متعددة، وعقليتهم _ في رأيكم _ لعقلية المحدثين.

أعقل الملحدين؟ إنهم يرون أن إيمانكم بوجود الله، جهل منكم وخرافة.

أعقل المؤمنين بوجود الله؟ فنحن نسألكم: عقل أي مذهب من مذاهبهم ترتضون؟

أعقل أهل السنة والجماعة؟ هذا لا يرضى الشيعة، ولا المعتزلة.

أم عقل المعتزلة؟ إنه لا يرضى جمهور طوائف المسلمين فأي عقل ترتضون (٢) ؟

فمجرد الاتفاق على طبيعة العقل الحاكم غير واردة.


(١) الموافقات ١/ ٧٨، ٧٩، وانظر: مختصر الصواعق المرسلة ١/ ١١٠.
(٢) السنة ومكانتها في التشريع ٣٩، ٤٠.

<<  <   >  >>