للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول ابن قيم الجوزية: "فإن قالوا: إنما تقدم العقل الصريح الذي لم يختلف فيه اثنان على نصوص الأنبياء فقد رموا الأنبياء بما هم أبعد الخلق منه، وهو أنهم جاءوا بما يخالف العقل الصريح هذا وقد شهد الله وكفى بالله شهيدا، وشهد بشهادته الملائكة وأولوا العلم؛ أن طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم. هي الطريقة البرهانية للحكمة كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُم} (١) . وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَم} (٢) فالطريقة البرهانية هي الواردة بالوحي كتابًا وسنة معظمة للرشد داعية إلي الخير، والطريقة العقلية _ التقليدية التخمينية هي المأخوذة من رجل _ من يونان _ وضع بعقله قانونا من مقدمتين ونتيجة _ يصحح بزعمه علوم الخلائق وعقولهم، فلم يستفد به عاقل تصحيح مسألة واحدة في شئ من علوم بنى آدم، بل ما وزن به علم إلا أفسده، وما برع فيه أحد إلا انسلخ من حقائق الإيمان كانسلاخ القميص عن الإنسان (٣) .

ونقول لمن حكموا عقولهم في شرع الله عزَّ وجلَّ، وقدموها عليه: إن تحكيم العقل وهو مخلوق في خالقه بحيث يقولون: يجب عليه بعثه الرسل، ويجب عليه الصلاح والأصلح، ويجب عليه اللطف، ويجب عليه كذا، وكيف يجوز هذا في حق الله عزَّ وجلَّ مما ورد في صفاته وأسمائه جل جلاله _ في كتابه العزيز وسنة نبيه المطهرة؟ وكيف المعجزة؟ وكيف اليوم الآخر، وما فيه من حساب، وعقاب، وجنة، ونار، وميزان، وصراط، وشفاعة ... ؟ إلى آخر ما ينطق به في تلك الأشياء (الإلهيات والنبوات والمعجزات للأنبياء والسمعيات الغيبية) .


(١) الآية ١٧٤ من سورة النساء.
(٢) الآية ١١٣ من سورة النساء.
(٣) مختصر الصواعق المرسلة ١/ ١١٢، ١١٣ بتصرف.

<<  <   >  >>