للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نقول: إن قولكم بعقولكم في تلك الأمور _ اعتراضًا _ هذا يجب، هذا يستحيل، كيف هذا. هذا منكم اجتراء على الله عزَّ وجلَّ، وعلى عظمته جل جلاله، واعتراض على حكمه وشرعه الحكيم، وتقديم بين يدي الله ورسوله، ومن أجل البارى وعظمه وعظم حكمه وشرعه، لم يجترئ على ذلك، فلله عزَّ وجلَّ الحجة البالغة والحكمة الكاملة، ولا معقب لحكمه؛ فوجب الوقوف مع قوله تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين} (١) . وقوله تعالى: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون} (٢) . وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِه} (٣) . ويكفيك في فساد عقل معارض الوحي قرآنًا وسنة اجتراءه على عصمة ربه عزَّ وجلَّ.

فكيف نجعل العقل حاكمًا على شرعه "كتابًا وسنة"، ونقدمه عليه بعد كل هذا، وكيف نتصور أن الشارع الحكيم يشرع شيئًا يتناقض مع العقول المحكومة بشرعه الحنيف.

يقول الدكتور السباعي: "من المقرر في الإسلام أنه ليس فيه ما يرفضه العقل، ويحكم باستحالته ولكن فيه _ كما في كل رسالة سماوية _ أمور قد "يستغربها" العقل ولا يستطيع أن يتصورها (٤) في (الإلهيات والنبوات والمعجزات والسمعيات) فتلك الأمور فوق نطاق العقل وإدراكه، وقد يحصل الغلط في فهمها فيفهم منها ما يخالف صريح العقل، فيقع التعارض بين ما فهم من النقل وبين ما اقتضاه صريح العقل، فهذا لايدفع (٥) .

يقول ابن خلدون:" لأن هذه العقائد متلقاة من الشريعة كما نقلها السلف من غير رجوع فيها إلى العقل ولا تعديل عليه ... ، فإذا هدانا الشارع إلى مدرك؛ فينبغي أن نقدمه على مداركنا، ونثق به دونها، ولا ننظر في تصحيحه بمدارك العقل ولو عارضه، بل نعتمد ما أمرنا به اعتقادًا وعلمًا، عما لم نفهم من ذلك ونفوضه إلى الشارع، ونعزل العقل عنه" (٦) .


(١) الآية ١٤٩ من سورة الأنعام.
(٢) الآية ٢٣ من سورة الأنبياء.
(٣) الآية ٤١ من سورة الرعد.
(٤) السنة ومكانتها في التشريع ص ٣٤ بتصرف يسير.
(٥) انظر: أمثلة على ذلك مما رفضوه بعقولهم والرد عليهم في الباب الثالث حديث رؤية الله عزَّ وجلَّ ٢/ ٢١٩-٢٢٩، وحديث عذاب القبر ونعيمه ٢/ ٢٨٢-٢٩٤، وانظر أيضًا:حديث الذباب ٢ / ٣٤٢-٣٥٣.
(٦) المقدمة لابن خلدون الفصل الحادي عشر، في علم الإلهيات ص ٥٤٨ بتصرف يسير.

<<  <   >  >>