للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول في موضع آخر: "وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه، بل العقل ميزان صحيح؛ فأحكامه يقينية، لا كذب فيها غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة، وحقيقة النبوة، وحقائق الإلهية، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال ... ، ومن يقدم العقل على السمع في أمثال هذا القضايا، فذلك لقصور في فهمه، واضمحلال رأيه، وقد تبين لك الحق من ذلك" (١) .

وفي ذلك يقول ابن قيم الجوزية: " إن ما علم بصريح العقل الذي لا يختلف فيه العقلاء؛ لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة. ومن تأمل ذلك فيما تنازع العقلاء فيه من المسائل الكبار؛ وجد ما خالف النصوص الصريحة الصحيحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها. فتأمل ذلك في مسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر والنبوات والمعاد؛ تجد ما يدل عليه صريح العقل، ونحن نعلم قطعا أن الرسل لايخبرون بمحالات العقول، وإن أخبروا بمجازات العقول فلا يخبرون بما يحيله العقل (٢) .

ونختم قضية التعارض بين العقل والنقل بسؤال افترضه الإمام يحيي بن الحسين القاسم الرسي العلم الثاني من علمى الأئمة الزيدية (ت ٢٩٨هـ) قال: "فإن قيل: هل يجوز أن تتضاد حجج الله وتختلف، فما تثبته حجة العقل تبطلها حجة الكتاب والسنة، وما تثبته حجة الكتاب والسنة تبطلها حجة العقل؟

فإن قال: نعم.ويكون ذلك ويوجد، استغنى عن مناظرته بجهله، واستدل على كفره بذلك، وخالف الخلق أجمعين، وقال بما لم يقل به أحد من العالمين، وافتضح عند نفسه فلا عن غيره؛ لأنه يزعم أن حجج الله تتناقض وتتضاد، وما تناقض وتضاد فليس بحجة الله على العباد....، ولو تناقضت حججه، لبطلت فرائضه، ولو بطلت فرائضه؛ لبطل معنى إرساله للرسل....، فبان بحمد الله، لكل ذي عقل وفهم وتمميز أن من قال بتناقض حجج الرحمن غير عارف به ولا مقر به، ومن لم يعرف الله جل جلاله فلم يعبده، ومن لم يعبده فقد عبد غيره ومن عبد غيره؛ فهو من الكافرين، ومن كان الكافرين فقد خرج بحمد الله من حد المؤمنين، فنعوذ بالله من الجهل والعمى ونسأله الزيادة في الرحمة والهدي" (٣) .


(١) المصدر السابق الفصل العاشر في علم الكلام، ص ٥٠٩ بتصرف يسير.
(٢) مختصر الصواعق المرسلة ١/ ١١٤ وما بعدها.
(٣) رسائل العدل والتوحيد للدكتور محمد عمارة ٢/ ٣٠١ _ ٣٠٣ بتصرف. وانظر: مختصر الصواعق المرسلة لابن قيم الجوزية ١/ ١١٤ _ ١٣٠، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ١/ ١٧١، وانظر: ما سبق في الجواب عن شبهة عرض السنة على القرآن ص ٢٣٦-٢٣٩.

<<  <   >  >>