للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يمكن أن يقبل منهم الإجابة بأن سر هذا التناقض في الروايات الناهية للكتابة والمرخصة لها _ بأن النهى ناسخ للإذن، وأن هذا النهى من النبي صلى الله عليه وسلم. والصحابة والتابعين _ رضى الله عنهم أجمعين _ دليل منهم على أنهم أرادوا ألا يجعلوا الأحاديث دينًا وشريعة عامة؛ كالقرآن، كما ذهب إلى ذلك الدكتور توفيق صدقى وتأثر به الأستاذ محمد رشيد رضا _ رحمه الله _ وتابعه في ذلك محمود أبو رية، وجمال البنا، وعبد الجواد ياسين، وغيرهم. إذ لا دليل على ذلك كما سيأتي في موضعه (١) .

ثم إن أعداء السنة وهم في إنكارهم لحجية السنة النبوية خلطوا بين النهى عن كتابة السنة وبين تدوينها _ حيث فهموا خطأ أن التدوين هو الكتابة _ وعليه فإن السنة النبوية _ ظلت محفوظة في الصدور لم تكتب إلا في نهاية القرن الأول الهجري، في عهد عمر بن عبد العزيز، وهو فهم غير صحيح، كما سيأتي في شبهة التأخر في التدوين.

ثم إنهم خانوا الأمانة العلمية. وهم يؤرخون للسنة المطهرة إذ استدلوا على عدم حجيتها بأحاديث مرفوعة وأخرى موقوفة على الصحابة، ومقطوعة على التابعين _ وكلها تنهى عن كتابتها ومحو ما كتب منها، وجمعوا تلك الأحاديث من كتب الأئمة وهم يستعرضونها تمهيدًا للرد عليها، فنقلوا هذه الأحاديث التى تشير إلى شبهتهم، ولم ينقلوا الرد.

فالحافظ الخطيب البغدادي في كتابه تقييد العلم، عقد بابا بعنوان "الآثار والأخبار الواردة عن كراهة كتابة العلم"، ثم أتبعه بباب ثان بعنوان "وصف العلة في كراهة كتاب الحديث"، ثم أتبعه بباب ثالث بعنوان "الآثار والأخبار الواردة عن إباحة كتابة العلم" (٢) .

وكذلك فعل الحافظ ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله" عقد بابا بعنوان "ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف" ثم أتبعه بباب عنوانه "بيان أن السلف كانوا يكرهون كتابة الحديث" وبعده باب بعنوان "ما ورد في كراهية السلف كتابة العلم، وإنما كانوا يعتمدون على الحفظ" وبعده باب "ذكر الرخصة في كتابة العلم" وأخيرًا باب "استحباب السلف كتابة العلم خشية النسيان" (٣) .


(١) انظر: ص ٣٠٥-٣١٤.
(٢) تقييد العلم ص ٢٩ _ ١١٣.
(٣) انظر: جامع بيان العلم ١/ ٦٣ _ ٧٧.

<<  <   >  >>