للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. أشرت فيما سبق عند عرض شبهة النهى عن كتابة السنة إلى أن أصحابها أغمضوا أعينهم عن علة النهى، وسفهوا رأى من يقول بها من أئمة المسلمين من المحدثين والفقهاء، وسائر علماء المسلمين إلى يومنا هذا، بالرغم من أن هذه العلة واردة فى نفس الأحاديث التى احتجوا بها علينا.

... وأولى هذه العلل كما جاء فى الأحاديث:

المحافظة على كتاب الله عز وجل وصيانته عن خلطه بالسنة دون تمييز بينهما. ويبدو هذا واضحاً فى رواية أبى هريرة: "أكتاب مع كتاب الله ... امحضوا كتاب الله أو خلصوه" وهذه الرواية مع ضعف سندها لوجود عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ المتفق على ضعفه (١) ، إلا أن رواية أبى بردة بن أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه والتى أخرجها الطبرانى فى الكبير والبراز فى مسنده بإسناد صحيح، كما قال الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد (٢) تشهد لصحة رواية أبى هريرة، كما تشهد لصحة هذه العلة؛ ففيها التصريح الذى لا لبس فيه بأن الأحاديث كتبت بجوار القرآن فى صحيفة واحدة بلا تمييز يؤمن معه سلامة القرآن. وهذا قول أبى موسى الأشعرى صريحاً: "لولا أن فيه كتاب الله لأحرقته".

... ففى رواية أبى هريرة، وكذا فى قول أبى موسى الأشعرى ما يبين أن السنة فى عهد النبوة والصحابة كانت تكتب بجوار القرآن فى صحيفة واحدة بلا تمييز يحفظ معه القرآن من اشتباهه بالسنة التى كتبت بجواره.

... ويؤكد ذلك القراءات الشاذة، فما هى إلا تفسير لبعض كلمات القرآن كتبت بجوارها للإيضاح والبيان- ومن فعل ذلك من الصحابة كان محققاً لما تلقاه عن النبى صلى الله عليه وسلم قرآناً، وذلك كقراءة ابن عباس-رضى الله عنهما-: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (٣)


(١) راجع: ص ٢٦٢.
(٢) مجمع الزوائد ١/١٥١.
(٣) الآية ١٩٨ من سورة البقرة.

<<  <   >  >>