للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يتساءل بعضهم (١) عن سبب العدول عن علل كراهة كتابة السنة وإباحة كتابتها فى عصر التدوين وما بعده إلى يومنا هذا.

... والإجابة على هذا؛ هى ما أجاب به الخطيب بقوله: "إنما اتسع الناس فى كتب العلم وعولوا على تدوينه فى الصحف بعد الكراهة لذلك، لأن الروايات انتشرت، والأسانيد طالت، وأسماء الرجال وكناهم وأنسابهم كثرت والعبارات بالألفاظ اختلفت، فعجزت القلوب عن حفظ ما ذكرنا ... مع رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمن ضعف حفظه فى الكتاب، وعمل السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين بذلك" (٢) .

... وكما قال ابن الصلاح: "ولولا تدوينه فى الكتب لدرس فى الأعصر الآخرة" (٣) ، ولقد صدق رحمه الله تعالى.

وبعد

... فقد ظهر واضحاً جلياً أن النهى عن كتابة السنة ليس لذاته، بل لعلل نصت عليها الأحاديث ذاتها التى نهت عن كتابة السنة وتدوينها.

تلك العلل التى أغمض أعداء السنة أعينهم عنها بالرغم من وجودها صراحة فى نفس الأخبار والآثار التى احتجوا بها لشبهتهم، فإن سلموا بصحة تلك الأحاديث فعليهم التسليم بالعلل الواردة فيها، ولا يكونوا ممن قال فيهم رب العزة {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} (٤) .

... وإن لم يسلموا بصحة ما استشهدوا به من الأخبار والآثار لم يبق لشبهتهم أساس فى أن النهى عن كتابة السنة زمن النبوة، والصحابة، والتابعين، دليل على عدم حجية السنة المطهرة، لأنه فى الوقت الذى كان فيه نهى عن الكتابة زمن النبوة، والصحابة، والتابعين، كان فى الوقت ذاته إذن بالكتابة.


(١) مثل نيازى عز الدين فى إنذار من السماء ص١٢٧،وإسماعيل منصور فى تبصير الأمة ص٣١١-٣١٨.
(٢) تقييد العلم ص ٦٤، ٦٥.
(٣) فتح المغيث للسخاوى ٢/١٤٥، تدريب الراوى ٢/٦٥.
(٤) جزء من الآية ٨٥ البقرة.

<<  <   >  >>