للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. وحتى مع التسليم بأن الأصل هو الرواية بالمعنى، فلسنا نرى أن الرواية بالمعنى تفضى إلى النتائج الخطيرة التى يزعمها دعاة الإلحاد؛ لأن اختلاف ألفاظ الأحاديث لا يرجع إلى الرواية بالمعنى وحدها، بل يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كانت تختلف ألفاظه بتعدد الأزمنة والأمكنة، والحوادث والأحوال، والسامعين والمستفتين، والمتخاصمين والمتقاضين، والوافدين والمبعوثين، ففى كل ذلك تختلف ألفاظه صلى الله عليه وسلم، إيجازاً، واطناباً، وتقديماً، وتأخيراً، وزيادة، ونقصاناً، بحسب ما تقتضيه الحال ويدعوا إليه المقام (١) .

فقد يسأل عن أفضل الأعمال مثلاً؛ فيجيب كل سائل بجواب غير جواب صاحبه، ... فيظن من لا علم له أن هذا من باب التعارض، أو من عدم ضبط الرواة، أو من آثار الرواية بالمعنى، وواقع الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان طبيب النفوس، فيجيب كل إنسان عن مسألته بما يناسبه، وبما يكون أنفع له أو للناس فى جميع الظروف أو فى الظرف الذى كان فيه الاستفتاء" (٢) أ. هـ.


(١) وهذا من أساليب القرآن الكريم انظر: إلى قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" الآيتان ٦،٧ من سورة البقرة وقوله تعالى: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" الآية ٢٣ من سورة الجاثية. فقارن التقديم والتأخير فى الختم على القلب والسمع فى الآيتين البقرة والجاثية.
(٢) الحديث والمحدثون ص ٢٠٧، ٢٠٨، وانظر: دفاع عن السنة للدكتور محمد أبو شهبة ص ٥٥.

<<  <   >  >>