للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا ترى فى هذه الحادثة ما يدلك على أن الصلة بين العلماء والخلفاء أدنى وأضعف من أن تصل إلى دينهم وأمانتهم؟ رجل يقول لخليفة المسلمين: لا أبا لك! وهى كلمة لا يقولها رجل عادى لآخر مثله يحترمه، لدليل على أن صلتهم بالخلفاء والأمراء ليست صلة ضعيف بقوى، ولا مخدوع بخادع بل صلة واثق بدينه، معتز بعلمه يغضب إن كُذِّب، ويثور إذا حُرِّفت حقيقة من حقائق التاريخ المتصل بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجل يزأر فى وجه الخليفة زئير الأسد لأنه كذَّبه فى تفسير آية من كتاب الله عز وجل خلاف ما يعلم أهل العلم من قبله، هل من المعقول أن يميل إلى أهواء الخليفة، فيضع له أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أصل لها؟! ألا ترى إلى قول الزهرى: "أنا أكذب؟ لا أبالك! فوالله لو نادانى مناد من السماء إن الله أحل الكذب ما كذبت".

إن الزهرى كان من ذلك الطراز الممتاز فى تاريخ الإنسانية الذين ربَّاهم محمد صلى الله عليه وسلم وأخرجهم للدنيا آيات باهرات فى صدق اللهجة وسموا النفس، والترفع عن الكذب حتى ولو كان مباحاً (١) . أ. هـ.

... يقول الأستاذ الصديق بشير: "ثم هل أولئك الفقهاء من الخور، وقلة الورع بحيث يستغلهم الحكام لتثبيت حكمهم؟! إن تاريخ هؤلاء ينفى ذلك بشدة، حتى بلغ الأمر ببعضهم أن حرم على نفسه مخالطة السلاطين الظلمة (٢) . بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن يضرب، ويحبس، لرفضه تولية القضاء كأبى حنيفة -رحمه الله- (٣) .


(١) السنة ومكانتها للدكتور السباعى ص ٢١٣ - ٢١٦ بتصرف.
(٢) إحياء علوم الدين ٢/١٥٥، ١٦٦، وانظر: ضوابط الرواية عند المحدثين ص ٣٤٧.
(٣) تذكرة الحفاظ ١/١٦٨، وانظر: تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٢٤٨ وانظر: تاريخ محنة الفقهاء والمحدثين مع خلفاء بنى العباس فى كتاب تاريخ المذاهب الإسلامية للعلامة محمد أبو زهرة.

<<  <   >  >>