للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. فكذلك الأمر فى القرآن، أعنى إذا كان الشئ غير مذكور فيه صراحة ولكنه يفهم من سياقه أو إشاراته، فلا يقال إنه ليس فى القرآن مطلقاً. وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم مأموراً بتبين القرآن والحكم بين الناس بما أراه الله عز وجل كما سبق فى آيتى النحل، والنساء، ونزلت مثلاً آيات الصيام، ولم يذكر فيها حكم الأكل والشرب بالنسيان فى الصوم، فجاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أكلت ناسياً فى الصوم. فأفتاه النبى صلى الله عليه وسلم بأن صومه صحيح (١) لأن الخطأ والنسيان معفو عنهما، مستنبطاً من قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (٢) .

... فهل يقال: إن هذا الحديث مخالف للقرآن؛ لأنه ليس فيه أن الصوم لا يفسده الأكل بالنسيان؟ أو يقال: إنه لم يكن للنبى صلى الله عليه وسلم أن يستنبط هذا الحكم من الآية الأخرى التى لا تتعلق بالصوم؟!!

... وهنا نريد أن نسأل هؤلاء المنكرين لسنة النبى صلى الله عليه وسلم: إذا كان يجوز لكم أن تستنبطوا من القرآن كل ما تريدون، وتفسروه كما تفهمون، مع بعدكم عن العصر والمحيط اللذين نزل فيهما القرآن، ومع كونكم أعجاماً من غير أهل اللسان أفما كان يحق هذا لمن نزل عليه القرآن، وأمر بتبيينه على الوجوب (٣) ، وكان أفصح أهل اللسان، بل أحق الناس بالبيان، والاستنباط من القرآن؟!


(١) ففى الصحيح مرفوعاً: "من نسى وهو صائم، أكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصوم باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً ٤/١٨٣، ١٨٤ رقم ١٩٣٣، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الصيام باب أكل الناسى وشربه وجماعه لا يفطر ٤/٢٩١، رقم ١١٥٥ من حديث أبى هريرة رضي الله عنه واللفظ لمسلم.
(٢) جزء من الآية ٥ من سورة الأحزاب.
(٣) انظر: البحر المحيط للزركشى ٣/٤٨٣.

<<  <   >  >>