للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. تقول الدكتورة عائشة يوسف المناعى: "اضطر المعتزلة إلى اللجوء إلى نقد الأخبار المعارضة التى تثبت الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى" فبرغم أن هذا الحديث ينص صراحة على أن الشفاعة لأهل الكبائر، وبرغم صحته فإن المعتزلة لا يتورعون أن يقفوا موقف التكذيب من هذا الخبر ويقولون: "إن هذا الخبر لم تثبت صحته أولاً، ولو صح فإنه منقول بطريق الآحاد عن النبى، ومسألتنا طريقها العلم فلا يصح الاحتجاج به" (١) .

ولسنا فى حاجة إلى أن نقول إن إجابة المعتزلة هذه تنبنى على التحكم البحت، وفيها من عدم الدقة شئ كثير، فهم يفترضون مرة أن هذا الحديث غير صحيح، ويفترضون مرة أخرى أنه صحيح ولكنه آحاد وأن رأيهم فى هذه المسألة مبنى على العلم، مع أن قولهم فى هذه المسألة قول لا برهان عليه، بل إن الأقرب إلى العقل أن الشفاعة إذا لم تكن لأهل الكبائر بحيث تخرجهم من النار فإنها لا معنى لها ولا فائدة منها، والمكلف التائب مغفور له، وليس فى حاجة إلى الشفاعة، والنصوص صريحة فى أن التائب يبدل الله سيئاته حسنات، فكيف يحتاج إلى شفيع بعد ذلك؟

وإذا كانت معتزلة البصرة قد اعترفوا بجواز إسقاط العقاب ابتداء من الله تعالى؛ لأنه حقه، وهو يشبه الدين، فله أن يسقطه، وله أن يستوفيه، فالأولى أن يقال بإسقاط العقوبة ابتداء.

فكيف يقرر المعتزلة بعد ذلك أن أصلهم فى الشفاعة مسألة علم لا يصح أن تعارضها أخبار الآحاد؟

ومن غريب تفسيرات المعتزلة أنهم يقولون أن التائب من الكبيرة تسقط عنه العقوبة بالتوبة، لكن الكبيرة قد أحبطت ما تحصل عنده من الثواب من قبل، فالشفاعة هنا تنفعه فى إعادة هذا الثواب (٢) .


(١) شرح الأصول ص ٦٩٠.
(٢) شرح الأصول ص ٦٩١.

<<  <   >  >>