نوَّعَها إلى مرئيٍّ لنا وغير مرئيٍّ، كما قال تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (٣٩)﴾ [الحاقة: ٣٨، ٣٩]، وكما نوَّعَها إلى أرضٍ وسماءٍ، وليلٍ ونهارٍ، وذكرٍ وأُنثَى، وهذا التنويع والاختلاف من آياته سبحانه = كذلك نوَّعَها إلى شاهدٍ ومشهودٍ.
وفيه سِرٌّ آخر؛ وهو أنَّ من المخلوقات ما هو مشهودٌ، ومنها ما هو شاهدٌ عليه، ولا يتمُّ نظام العالم إلا بذلك، فكيف يكون المخلوق شاهدًا رقيبًا حفيظًا على غيره، ولا يكون الخالق ﵎ شاهدًا على عباده، مطَّلِعًا عليهم رقيبًا؟!
وأيضًا؛ فإنَّ ذلك يتضمَّنُ القَسَمَ بملائكته وأنبيائه ورسله، فإنَّهم شاهدون على العباد، فيكون من باب اتحاد (١) المقسَم به والمقسَم عليه، كما أقسم باليوم الموعود، وهو المقسَم به وعليه.
وأيضًا؛ فيوم القيامة مشهودٌ، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣)﴾ [هود: ١٠٣] يشهده الله، وملائكته، والإنس، والجنُّ، والوحش، فالشاهد من آياته، والمشهود من آياته.
وأيضًا؛ فكلامه مشهودٌ كما قال تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (٧٨)﴾ [الإسراء: ٧٨]، تشهده ملائكة الليل، وملائكة النَّهار؛ فالمشهود من أعظم آياته، وكذلك الشاهد.
فكُلُّ ما وقع عليه اسم "شاهدٍ" و"مشهودٍ" فهو داخلٌ في هذا القَسَم، فلا وجه لتخصيصه ببعض الأنواع أو الأعيان إلا على سبيل
(١) في (ز) و (ن) و (ط): ايجاد، وهو تصحيف، وما أثبته من (ح) و (م).