وهذه الملحوظة والتي قبلها ممَّا تعنَّى له ابنُ القيم ﵀ وكان يستحسنه ويرتضيه وينوِّه به، وهو ممَّا يَزِينُه ولا يَشِينُه، ويُمدح به ولا يُعاب عليه، فإنَّه من جُود العلم وكَرَم العالم، يبذله متى رامَ نفع النَّاس وإفادتهم، ومن محاسن الملاقاة ما جاء عَرَضًا لا قصدًا، وابن القيم ﵀ خبيرٌ بنوادر العلم وفوائت العلماء، باذِلٌ لقارئيه أطيبه وأنفعه، فهو ﵀ كيفما كتب بَرَع، كالغَيْث أينما وقعَ نَفَع، فلا لوم إذنْ.
وإنَّما تصلح المؤاخذة لمن يَحْشُو الكتاب بما لا يفيد، ويسوِّد الصفحات بما ضَرُّه أقرب من نفعه وعلى أحسن أحواله لا نفع فيه ولا ضرر، فهذا ممجوجٌ ومطَّرحٌ، كحال بعض مؤلِّفي زماننا - أصلح اللهُ أقلامهم - ممن يُحبِّرون الصُّحُف بنَادِّ اللفظ، ومستوحش المعاني، فتقل فائدتها عند العامة وتُعدَمُ لدى الخاصة، وهذا مَتْنُ الكلام وقائمه فكيف بموقوذه ومتردِّيه! اللهم صَفْحًا.
وحاشا ابن القيم أن يكون استطراده كذلك، بل فيه من الفوائد والشوارد ما لو قرأته لتمنَّيتَ أن يكون كتابه كله على هذا المنوال لعظيم عائدتها، ولربما صَلُح بعضها لإفرادها بمصنَّف مستقِلٍّ لجودتها، وحسن بسطه فيها.
وخُذْ مثلًا على ذلك كلامه عن خَلْق الإنسان وتكوينه فإنَّه أبدع فيه إلى الغاية، وأشرف فيه على النهاية، وإنني لأَجزم - وأنا على ثِقَل قدمٍ - بأنَّ قارئه متى بدأه لن يملَّه، ويمضي في قراءته حتى يتمَّه، فإنَّ له لذَّةً ومتعةً تأخذ بالألباب، وهو في أثناء ذلك لن يخلو من تعجُّبٍ وفكرة، أو من حكمةٍ وعِبرةٍ، أو من موعظةٍ وذكرى، ونحو ذلك ممَّا يهذِّب