للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما ميز عظيم قدر الصوم أن جفنه الصوم التعرض لإتلاف النفس وإثارة الجنس أعيى النفس أن تقوم بالطعام والشراب، والحبس يبقى بالسائل وإذا وقع امتناع الأكل والشرب والمباشرة فقد وقع القصد إلى إتلاف النفس وإثارة الجنس، فلم يكن في العبادات أشد إداء لحق العبودية منه، واستوجب بذلك أن يكون من أركان الإسلام.

فإن قيل صيام يوم الأحد ليس منه واحد من هذين المعنيين، قيل: الصيام معناه ما ذكرت والصائم يدخل في الصوم معتقدًا أنه كان عنده ما عنده، والله تعالى عليه، فإن كان الليل إذا حضر تصدق الله عليه بإباحة ما كان حظره عليه، فلذلك لا يخرجه من أن يكون فداء، وقد وفي من نفسه الطاقة بتسليم النفس والحبس، فطاب نفسًا عنهما كمن أحضر ما لا يؤتيه مستحقه ليتصدق به عليه، ولا يخرج بذلك من أن يكون منتهيًا إلى ما كان عليه من حقه والله أعلم.

فصل

ثم أن الصوم الذي ذكرت بمنزلة من العبادات إذا فرض الله عز وجل في السنة شهرًا واحدًا وهو شهر رمضان. فأما تقريره شهرًا، فلأن الصوم فيما دونه لا يبين كثيرًا في قمع الشهوات، وتقرير موقع النعمة بالطعام والشراب وفيما فوقه يتدرج ويسبق ويخرج الشهر عدل بين ذلك، لأنه ليس من المدة التي لا يجعل غرض الصوم فيها لغيره، ولا من المدد التي تجمع إلى تحصيل غرض الصوم فيها الإخراج والتسبق، فقصر الغرض على شهر لهذا المعنى إن شاء الله.

ثم جعل ذلك الشهر شهر رمضان، لأنه هو الذي أنزل فيه القرآن، الجامع للأمر والنهي والوعد والوعيد، فكان أولى بأن يكون تعظيم النفس ورياضتها فيه ليكون إلى العمل بما جاء به القرآن أساسًا. وعليه أحرص، قال الله عز وجل: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أيامًا معدودات}. ثم أبان أنها

<<  <  ج: ص:  >  >>