للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَدَّعِي أَنَّ جَمِيعَ الْإِيمَانِ هُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِلِسَانِهِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ, وَلَا صَدَّقَ بِقَلْبِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّصْدِيقِ بِهِ وَلَا أَطَاعَ فِي شَيْءٍ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَلَا انْزَجَرَ عَنْ شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ, إِذِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عُثْمَانَ بِسَنَدِهِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ هَذَا الْخَبَرِ الْمُخْتَصَرِ فِي الْإِيمَانِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَرْءِ بِهِ الْجَنَّةَ وَتُرِكَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْأَخْبَارِ الْمُفَسَّرَةِ الْمُتَقَصَّاةِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَحْتَجَّ جَاهِلٌ مُعَانِدٌ فَيَقُولُ: بَلِ الْإِيمَانُ إِقَامُ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَأَنَّ مُصَلِّيَهَا يَسْتَوْجِبُ الْجَنَّةَ وَيُعَاذُ مِنَ النَّارِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالتَّصْدِيقِ وَلَا بِالْإِقْرَارِ بِمَا أُمِرَ أَنْ يُصَدِّقَ بِهِ وَيُقَرَّ بِهِ, وَلَا يَعْمَلُ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّاعَاتِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ, وَلَا الزَّجْرِ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ, ويحتج بخبر عمار بْنِ رُؤَيْبَةَ فَذَكَرَهُ بإسناده إلى عمار بْنِ رُؤَيْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ" فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ١.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ أَمْلَيْتُ طُرُقَ هَذَا الْخَبَرِ فِي كِتَابِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مَعَ أَخْبَارِ النَّبِيِّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ" ٢ وَكُلُّ عَالِمٍ يَعْلَمُ دِينَ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ يَعْلَمُ أَنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ لَا تُوجِبَانِ الْجَنَّةَ مَعَ ارْتِكَابِ جَمِيعِ الْمَعَاصِي, إِنَّمَا رُوِيَتْ فِي فَضَائِلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ, وَإِنَّمَا رُوِيَتْ أَخْبَارَ النَّبِيِّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ" ٣ فَضِيلَةً لِهَذَا الْقَوْلِ, لَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُلُّ الْإِيمَانِ.

قُلْتُ٤: لِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَوَازِمُ وَمُقْتَضَيَاتٌ وَشُرُوطٌ مُقَيِّدٌ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِالْتِزَامِ


١ ابن خزيمة في التوحيد "ص٣٥٠-٣٥١" وفي صحيحه "١/ ١٦٤/ ح٣١٨" ومسلم "١/ ٤٤٠/ ح٦٣٤" في المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما.
٢ ابن خزيمة في التوحيد "ص٣٥١" ومسلم "١/ ٤٥٤/ ح٦٥٧" في المساجد، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة.
٣ تقدم ذكره.
٤ أي: المصنف حافظ رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>