اللَّهُ بِهِ وَبِكِتَابِهِ وَأَنْصَارِهِ الْبِلَادَ وَالْقُلُوبَ وَعَمَّرَهَا, فَفَتَحَ الْبِلَادَ بِالسَّيْفِ وَالْقُلُوبَ بِالْإِيمَانِ وَعَمَّرَ الْبِلَادَ بِالْعَدْلِ وَالْقُلُوبَ بِالْعِلْمِ, فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَرْبَعَةِ أَسْيَافٍ: سَيْفٌ لِلْمُشْرِكِينَ {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [الْبَقَرَةِ: ١٩١] وَسَيْفٌ لِلْمُنَافِقِينَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التَّوْبَةِ: ٧٣] وَسَيْفٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَةِ: ٢٩] وَسَيْفٌ لِلْبُغَاةِ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الْحُجُرَاتِ: ٩] ١ وَقَدْ بَذَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الْحُجُرَاتِ: ١٥] وَبَذَلَ الْمُشْرِكُونَ جُهْدَهُمْ وَمَجْهُودَهُمْ فِي عَدَاوَتِهِ وَقِتَالِهِ وَأَلَّبُوا وَتَحَزَّبُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الْأَنْفَالِ: ٣٦] الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصَّفِّ: ٨] فَقَدْ فَعَلَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
"حَتَّى أَتَوْا لِلدِّينِ" دِينِ الْإِسْلَامِ, "مُنْقَادِينَا" الْأَلْفُ لِلْإِطْلَاقِ طَوْعًا وَكَرْهًا, "وَدَخَلُوا فِي السِّلْمِ" أى: الإسلام "مذعنين" مُسْتَسْلِمِينَ.
وَكَانَ مُعْظَمُ ظُهُورِهِ بَعْدَ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ قُرَيْشًا لِأَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ هُمْ سَادَةُ الْعَرَبِ وَقَادَتُهَا, وَكَذَلِكَ هُمْ فِي الْإِسْلَامِ, فَلَمَّا أَسْلَمُوا
١ أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي كما في الدر المنثور "٤/ ٢٣٩".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute