للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ, وَتَوَاتَرَتِ الْوُفُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ, وَانْتَشَرَ الْإِسْلَامُ وَجَرَتْ أَحْكَامُهُ, وَانْتَشَرَتْ أَعْلَامُهُ فِي كُلِّ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيٌّ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النَّصْرَ: ١-٣] وَلِهَذَا عَلَّمَ هُوَ وأصحابه أَنَّ ذلك أجله, أعلنه اللَّهُ بِهِ, كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ, فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءُ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ عَلِمْتُمْ. فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ فَمَا رَوَيْتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النَّصْرِ: ١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا. وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. فَقَالَ لِي: أكذاك تقول يابن عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لَا, قَالَ فَمَا تَقُوُلُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُعْلِمَهُ, قَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النَّصْرِ: ١] وَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجْلِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النَّصْرَ: ٣] فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ١. وَفَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي لَمْ تُفْرَضْ مِنْ قَبْلُ, فَالْجِهَادُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى, وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ فِي الْأُولَى, وَشَرَعَ الْأَذَانَ وَالصِّيَامَ وَزَكَاةَ الْفِطْرِ وَزَكَاةَ النُّصُبِ وَتَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ كُلَّهَا فِي الثَّانِيَةِ, وَشَرَعَ التَّيَمُّمَ سَنَةَ سِتٍّ, وَصَلَاةَ الْخَوْفِ سَنَةَ سَبْعٍ, وَالْحَجَّ فِي السَّادِسَةِ وَقِيلَ فِي التَّاسِعَةِ وَقِيلَ فِي الْعَاشِرَةِ وَفِيهَا حَجَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [الْمَائِدَةِ: ٣] كَمَا قَدَّمْنَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.


١ البخاري "٨/ ٢٠" في المغازي، باب "٥١" وفي التفسير. والمناقب.

<<  <  ج: ص:  >  >>