للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [الْمَائِدَةِ: ٥٤] الْآيَاتِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ: هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ قَاتَلُوا أَهْلَ الرِّدَّةِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ.

وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قُبِضَ ارْتَدَّ عَامَّةُ الْعَرَبِ, إِلَّا أَهْلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَحْرِينِ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ, وَمَنَعَ بَعْضُهُمُ الزَّكَاةَ١. وَهَمَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقِتَالِهِمْ؛ فَكَرِهَ ذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ" عَزَّ وَجَلَّ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَوَاللَّهِ لَأَقْتُلُنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ, فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ, وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا٢.

قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَرِهَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةِ, وَقَالُوا: أَهْلُ الْقِبْلَةِ. فَتَقَلَّدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَيْفَهُ, وَخَرَجَ وَحْدَهُ. فَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الْخُرُوجِ فِي أَثَرِهِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ يَقُولُ: مَا وُلِدَ بَعْدَ النَّبِيِّينَ مَوْلُودٌ أَفْضَلُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, لَقَدْ قَامَ مَقَامَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ.

وَكَانَ قَدِ ارْتَدَّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثُ فِرَقٍ: مِنْهُمْ بَنُو مَذْحِجٍ وَرَئِيسُهُمْ ذُو الْخِمَارِ عَبْهَلَةُ بْنُ كَعْبٍ الْعَنْسِيُّ وَيُلَقَّبُ بِالْأَسْوَدِ, وَكَانَ كَاهِنًا مُشَعْبِذًا فَتَنَبَّأَ بِالْيَمَنِ وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِهِ, فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ


١ انظر البداية والنهاية "٦/ ٣١٢".
٢ البخاري "١٣/ ٢٥٠" في الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي الزكاة، وفي استتابة المرتدين، باب قتل من أبى قبول الفرائض، ومسلم "١/ ٥١/ ح٢٠" في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>