للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَقَرَةِ: ٢٠٨] أَيْ: فِي كَافَّةِ شَرَائِعِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "أَنْ تَقُولَ: أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَتَخَلَّيْتُ" ١ الْحَدِيثَ, وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "أَنْ يَسْلَمَ قَلْبُكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَأَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ" قَالَ: فَأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الْإِيمَانُ" قَالَ: وَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: "تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ" ٢ فَجَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَفْضَلُهُ, وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا, وَمُحِيَتْ عَنْهُ كُلُّ سَيِّئَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا" ٣ الْحَدِيثَ. فَإِنَّ الِانْقِيَادَ ظَاهِرًا بِدُونِ إِيمَانٍ لَا يَكُونُ حُسْنَ إِسْلَامٍ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ, فَكَيْفَ تُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٌ أَوْ تُمْحَى عَنْهُ سَيِّئَاتٌ؟! وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

"الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ" أَنْ يُطْلَقَ مُقْتَرِنًا بِالِاعْتِقَادِ, فَهُوَ حِينَئِذٍ يُرَادُ بِهِ الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ الظَّاهِرَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الْحُجُرَاتِ: ١٤] الْآيَةَ, وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ لَهُ سَعِيدٌ رَضِيَ الله عنه: مالك عَنْ فُلَانٍ, فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا, فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوْ مُسْلِمٌ" ٤ يَعْنِي أَنَّكَ لَمْ تَطَّلِعْ عَلَى إِيمَانِهِ وَإِنَّمَا اطَّلَعْتَ عَلَى إِسْلَامِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ. وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: "لَا تَقُلْ: مُؤْمِنٌ وَقُلْ: مُسْلِمٌ" ٥ وَكَحَدِيثٍ عُمَرَ هَذَا, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ.


١ رواه أحمد "٥/ ٤ و٥" والنسائي "٥/ ٤، و٥" في الزكاة، باب وجوب الزكاة و"٥/ ٨٢، ٨٣" فيه، باب من سأل بوجه الله عز وجل، وابن ماجه "٢/ ٨٤٨/ ح٢٥٣٧" في الحدود, باب المرتد عن دينه, مختصرا, وسنده صحيح.
٢ رواه أحمد "٤/ ١١٤" والطبراني في الكبير "المجمع ١/ ٦٤" قال الهيثمي: ورجاله ثقات.
٣ رواه النسائي "٨/ ١٠٥، ١٠٦" في الإيمان، باب حسن إسلام المرء. قال الخطيب: حديث ثابت. وقد ذكره البخاري تعليقا "١/ ٩٨" من حديث أبي سعيد, وانظر تغليق التعليق "٢/ ٤٤".
٤ رواه البخاري "١/ ٧٩" في الإيمان، باب إذا لم يكن على الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل, ومسلم "١/ ١٣٢/ ح١٥٠" في الإيمان، باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه.
٥ رواه النسائي "٨/ ١٠٣، ١٠٤" في الإيمان، باب تأويل قوله عز وجل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} .

<<  <  ج: ص:  >  >>