للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ وَيَفْسَدُ بِخُرُوجِهَا مِنْهُ, وَهِيَ النَّسَمَةُ الَّتِي يَمُوتُ الْإِنْسَانُ بِخُرُوجِهَا مِنْ جَسَدِهِ وَأَنَّهَا لَهَا حَقِيقَةٌ, وَأَنَّهَا تُنْفَخُ وَتُقْبَضُ وَتُصْعَدُ وَتُهْبَطُ, وَأَنَّهَا بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا الْجَسَدَ إِمَّا أَنْ تَنْعَمَ أَوْ تُعَذَّبَ, وَإِمَّا أَنْ تُفْتَحَ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى اللَّهِ أَوْ تُغْلَقَ دُونَهَا فَيَذْهَبُ بِهَا إِلَى سِجِّينٍ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ, كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ, وَأَنَّهَا تُجْمَعُ فِي الصُّورِ وَتَطِيرُ بِنَفْخِ إِسْرَافِيلَ إِذَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَتَطِيرُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهَا الَّذِي كَانَتْ تَعْمُرُهُ فِي الدُّنْيَا حَتَّى تَدْخُلَهُ وَتَدِبَّ فِيهِ دَبِيبَ السُّمِّ فِي اللَّدِيغِ حَتَّى يَقُومَ بَشَرًا سَوِيًّا وَأَنَّهَا بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنَ الْجَسَدِ تُكَلَّمُ وَتَتَكَلَّمُ وَتُسْأَلُ وَتُجِيبُ وَتُخْبَرُ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الرُّوحِ وَكُنْهِهَا فَلَيْسَ لِبَشَرٍ الْعِلْمُ بِهِ وَلَا الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَتِ الْيَهُودُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى جَوَابَهُمْ {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الْإِسْرَاءِ: ٨٥] ١ وَقَوْلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُقِرَّ الْجَهْمُ مَا ... الْأَرْوَاحُ خارجة من الْأَبْدَانِ

ولكنها مِنْ بَعْضِ أَعْرَاضٍ بِهَا إِلَخْ

يَعْنِي أَنَّ مَذْهَبَ الْجَهْمِ فِي الرُّوحِ هُوَ مَذْهَبُ الْفَلَاسِفَةِ الْحَائِرِينَ, أَنَّ الرُّوحَ لَيْسَتْ شَيْئًا يَقُومُ بِنَفْسِهِ بَلْ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ فِي اصْطِلَاحِهِمْ هُوَ مَا لَا يَسْتَقِلُّ وَلَا يَسْتَقِرُّ, فَمَنْزِلَةُ الرُّوحِ عِنْدَهُمْ مِنَ الْجَسَدِ كَمَنْزِلَةِ السَّمْعِ مِنَ السَّامِعِ وَالْبَصَرِ مِنَ الْمُبْصِرِ, يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ, بَلْ قَدْ يَذْهَبُ الْبَصَرُ وَالسَّمْعُ وَالذَّاتُ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَوْجُودَةٌ, فجحدوا أن لكون النَّفْسُ الَّتِي هِيَ الرُّوحُ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ يُنْفَخُ فِي الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَأَنَّ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزُّمَرِ: ٤٢] وَجَحَدُوا كَوْنَهَا شَيْئًا يُسَاقُ وَيُنْزَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ, وَيُعْرَجُ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ إِنْ كَانَتْ مُحْسِنَةً أَوْ تُغْلَقُ دُونَهَا إِنْ


١ رواه البخاري ١/ ٢٢٣ في العلم باب قول الله تعالى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} وفي مواطن عدة, ومسلم ٤/ ٢١٥٢/ ح٢٧٩٤ في صفات المنافقين باب سؤال اليهود عن الروح, من حديث ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>