اللَّهِ فِي سِقَمِهَا قَضَاءً مِنَ اللَّهِ وَقَدَرًا لَا بِانْتِقَالِ الدَّاءِ بِطَبِيعَتِهِ كَمَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ, وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبَّاسُ الْعَنْبَرِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ فَرْوَةَ بْنَ مُسَيْكٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْضٌ عِنْدَنَا يُقَالُ لَهَا أَرْضُ أَبْيَنَ هِيَ أَرْضُ رِيفِنَا وَمِيرَتِنَا وَإِنَّهَا وَبِئَةٌ -أَوْ قَالَ وَبَاؤُهَا شَدِيدٌ- فَقَالَ النَّبِيُّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعْهَا عَنْكَ فَإِنَّ مِنَ الْقَرَفِ التَّلَفَ" ١ وَالْقَرَفُ بِالتَّحْرِيكِ هُوَ مُقَارَبَةُ الْوَبَاءِ وَمُدَانَاةُ الْمَرَضِ, وَالتَّلَفُ بِوَزْنِهِ هُوَ الْهَلَاكُ, يَعْنِي أَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ قَدْ يُؤَثِّرُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى لَا سِيَّمَا مَعَ كَرَاهَةِ النَّفْسِ لَهُ وَاشْمِئْزَازِهَا مِنْهُ {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يُوسُفَ: ٦٤] .
فَإِذَا تَبَيَّنَ لَكَ هَذَا الْجَمْعَ بَيْنَ نَفْيِ الْعَدْوَى وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِمُجَانَبَةِ الدَّاءِ؛ تَبَيَّنَ لَكَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ إِيرَادِ الْمُمْرِضِ عَلَى الْمُصِحِّ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَمَرَ الْمُصِحَّ بِمُجَانَبَةِ الدَّاءِ فَلِأَنْ يَنْهَى الْمُمْرِضَ عَنْ إِيرَادِهِ عَلَى الْمُصِحِّ مِنْ بَابٍ أَوْلَى, فَإِنَّ الْعِلَلَ الَّتِي قَدَّمْنَا أَنَّهَا مِنْ سَبَبِ النَّهْيِ عَنِ الْقُدُومِ عَلَى الْوَبَاءِ وَالْأَمْرُ بِمُجَانَبَتِهِ مَوْجُودَةٌ فِي إِيرَادِ الْمُمْرِضِ عَلَى الْمُصِحِّ بِزِيَادَةِ كَوْنِهَا لَيْسَتْ بِاخْتِيَارِ الْمُصِحِّ كَقُدُومِهِ هُوَ بَلْ مَعَ كَرَاهَتِهِ لَهَا وَانْقِبَاضِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُمْرِضِ وَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى بُغْضِهِ إِيَّاهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ نَفْيَ الْعَدْوَى مُطْلَقٌ عَلَى عُمُومِهِ, وَفِيهِ إِفْرَادُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالتَّصَرُّفِ فِي خَلْقِهِ, وَأَنَّهُ مَالِكُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَبِيَدِهِ النَّفْعُ وَالضُّرُّ, لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى, وَلَا مُعْطَى لِمَا مَنَعَ, وَلَا رَادَّ لِقَضَائِهِ, وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ, وَلَا مُغَالِبَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ, وَفِي ذَلِكَ تَقْوِيَةٌ لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِمْدَادٌ لَهُمْ بِقُوَّةِ التَّوَكُّلِ وَصِحَّةِ الْيَقِينِ, وَحُجَّةٌ لَهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَسَائِرِ الْمُعَانِدِينَ, وَلَيْسَ فِي الْأَمْرِ بِمُجَانَبَةِ الْبَلَاءِ وَلَا فِي النَّهْيِ عَنْ إِيرَادِهِ عَلَى الْمُعَافَى مِنْهُ مُنَافَاةً وَلَا مُنَاقَضَةً. بَلْ ذَلِكَ مَعَ الثِّقَةِ بِاللَّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الْأَسْبَابِ النَّافِعَةِ وَتَوَقِّي الْأَسْبَابَ الْمُؤْذِيَةَ وَدَفْعِ الْقَدَرِ بِالْقَدَرِ وَالْإِلْتِجَاءِ مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِ,
١ أبو داود "٤/ ١٩-٢٠/ ح٣٩٢٣" في الطب، باب في الطيرة. وأحمد "٣/ ٤٥١". وسنده ضعيف: فيه رجل مبهم. ويحيى بن عبد الله بن بحير لا يعرف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute