للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الشُّؤْمَ الْمُثْبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ ضَرُورِيٌّ مُشَاهَدٌ لَيْسَ مِنْ بَابِ الطِّيَرَةِ الْمَنْفِيَّةِ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَا طِيَرَةَ, وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ" قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: "الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ. يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ" ١.

قَالَ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ" ٢.

قُلْتُ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: "سَهَّلَ اللَّهُ أَمْرَكُمْ" ٣ الْحَدِيثَ وَمَا شَاكَلَهُ.

وَمِنْ شَرْطِ الْفَأْلِ أَنْ لَا يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَقْصُودًا بَلْ أَنْ يَتَّفِقَ لِلْإِنْسَانِ؛ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى بَالٍ. وَمِنَ الْبِدَعِ الذَّمِيمَةِ وَالْمُحْدَثَاتِ الْوَخِيمَةِ مَأْخَذُ الْفَأْلِ مِنَ الْمُصْحَفِ فَإِنَّهُ مِنَ اتِّخَاذِ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَلَعِبًا وَلَهْوًا, سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ. وَمَا أَدْرِي كَيْفَ حَالُ مَنْ فَتَحَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الْمَائِدَةِ: ٧٨] وَقَوْلِهِ: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النِّسَاءِ: ٩٣] وَأَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَاتِ. وَيُرْوَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ بَعْضُ الْمَرْوَانِيَّةِ وَأَنَّهُ تَفَاءَلَ يَوْمًا فَفَتَحَ الْمُصْحَفَ فَاتَّفَقَ لِاسْتِفْتَاحِهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إِبْرَاهِيمَ: ١٥] الْآيَاتِ. فَيُقَالُ إِنَّهُ أَحْرَقَ الْمُصْحَفَ غَضَبًا مِنْ ذَلِكَ, وَقَالَ أَبْيَاتًا لَا نُسَوِّدُ بِهَا الْأَوْرَاقَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ, وَالْفَأْلُ إِذَا قَصَدَهُ الْمُتَفَائِلُ فَهُوَ طِيَرَةٌ كَالِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ, وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي تَعْرِيفِ الطِّيَرَةُ حَدِيثَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ أَوْ رَدَّكَ" ٤,


١ البخاري "١٠/ ٢١٢" في الطب، باب الطيرة وقد تقدم قبل قليل من غير هذا الطريق.
٢ البخاري "١٠/ ٢١٤" في الطب، باب الفأل. وقد تقدم قبل قليل. وذكر رواياته.
٣ البخاري "٥/ ٣٢٩" في الشروط، باب الشروط في الجهاد.
٤ أحمد "١/ ٢١٣" وسنده ضعيف فيه مسلمة الجهني قال الحافظ: مقبول "إذا توبع وإلا فلين". ورواه عن الفضل ولم يدركه.

<<  <  ج: ص:  >  >>