وَأَهْلُ الْجَنَّةِ مُتَفَاوِتُونَ فِي الدَّرَجَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ يَتَرَاءَوْنَ, أَهْلُ عِلِّيِّينَ يَرَوْنَ غُرَفَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يُرَى الْكَوْكَبُ فِي الْأُفُقِ الشَّرْقِيِّ أَوِ الْغَرْبِيِّ, وَمُتَفَاوِتُونَ فِي الْأَزْوَاجِ, وَمُتَفَاوِتُونَ فِي الْفَوَاكِهِ مِنَ الْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ, وَمُتَفَاوِتُونَ فِي الْفُرُشِ وَالْمَلْبُوسَاتِ, وَمُتَفَاوِتُونَ فِي الْمِلْكِ, وَمُتَفَاوِتُونَ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالنُّورِ وَمُتَفَاوِتُونَ فِي قُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَمُتَفَاوِتُونَ فِي تَكْثِيرِ زِيَارَتِهِمْ إِيَّاهُ, وَمُتَفَاوِتُونَ فِي مَقَاعِدِهِمْ يَوْمَ الْمَزِيدِ, وَمُتَفَاوِتُونَ تَفَاوُتًا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ وَفِيهَا أَنَّ عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ تَمَسُّهُمُ النَّارُ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ, مُتَفَاوِتُونَ تَفَاوُتًا بَعِيدًا: مُتَفَاوِتُونَ فِي مِقْدَارِ مَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ, فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ, وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ, ومنهم من تأخده كُلَّهُ إِلَّا مَوَاضِعَ السُّجُودِ. وَكَذَلِكَ يَتَفَاوَتُونَ فِي مِقْدَارِ لَبْثِهُمْ فِيهَا وَسُرْعَةِ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ الَّذِي بِسَبَبِهِ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَوْلَاهُ لَكَانُوا مَعَ الْكَافِرِينَ خَالِدِينَ مُخَلَّدِينَ أَبَدًا, فَيُقَالُ لِلشُّفَعَاءِ أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ نِصْفُ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ, ثُمَّ مِنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ, ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ مِنْ إِيمَانٍ, ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ, فَأَيْنَ هَذَا مِمَّنِ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ, وَأَيْنَ مَنَّ نُورُهُ عَلَى الصِّرَاطِ كَالشَّمْسِ, مِمَّنْ نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُنَوْنِصُ تَارَةً وَيُطْفَأُ أُخْرَى {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الْقَلَمِ: ٣٦] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ, فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ, وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ. وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ" قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ" ١. وَقَالَ ابن أبي ملكية: أَدْرَكْتُ
١ تقدم تخريجه سابقا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute