للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ فَمَيَّزَ أَهْلُ الْبِدَعِ الْعَمَلَ مِنَ الْإِيمَانِ وَقَالُوا: إِنْ فَرَائِضَ اللَّهِ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ, وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ, أَخَافُ أَنْ يَكُونَ جَاحِدًا لِلْفَرَائِضِ رَادًّا عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ.

وَيَقُولُ أَهْلُ السُّنَّةِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَّرَ الْعَمَلَ بِالْإِيمَانِ وَإِنَّ فَرَائِضَ اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ. قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الْعَنْكَبُوتِ: ٧] فَهَذَا مَوْصُولُ الْعَمَلِ بِالْإِيمَانِ.

وَيَقُولُ أَهْلُ الْإِرْجَاءِ: لَا وَلَكِنَّهُ مَقْطُوعٌ غَيْرُ مَوْصُولٍ.

وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النِّسَاءِ: ١٢٤] فَهَذَا مَوْصُولٌ, وَأَهْلُ الْإِرْجَاءِ يَقُولُونَ: بَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ. وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الْإِسْرَاءِ: ١٩] فَهَذَا مَوْصُولٌ, وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَشْبَاهِ هَذَا فَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: هُوَ مَوْصُولٌ مُجْتَمِعٌ, وَأَهْلُ الْإِرْجَاءِ يَقُولُونَ: بَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ مُتَفَرِّقٌ. وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ كَانَ مَنْ عَصَى وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ وَالْمَحَارِمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ فَكَانَ إِقْرَارُهُ يَكْفِيهِ مِنَ الْعَمَلِ, فَمَا أَسْوَأَ هَذَا مِنْ قَوْلٍ وَأَقْبَحَهُ, فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَقَالَ فُضَيْلٌ: أَصْلُ الْإِيمَانِ عِنْدَنَا وَفَرْعُهُ -بَعْدَ الشَّهَادَةِ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ, وَالشَّهَادَةِ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَلَاغِ, وَبَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ- صِدْقُ الْحَدِيثِ, وَحِفْظُ الْأَمَانَةِ وَتَرْكُ ,الْخِيَانَةِ وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ, وَصِلَةُ الرَّحِمِ, وَالنَّصِيحَةُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ, وَالرَّحْمَةُ لِلنَّاسِ عَامَّةً.

قِيلَ لَهُ -يَعْنِي فُضَيْلًا- هَذَا مِنْ رَأْيِكَ تَقُولُهُ أَوْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمِعْنَاهُ وَتَعَلَّمْنَاهُ. وَلَوْ لَمْ آخُذْهُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْفَضْلِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِهِ. وَقَالَ فُضَيْلٌ: يَقُولُ أَهْلُ الْإِرْجَاءِ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ, وَيَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ: الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ بِلَا قَوْلٍ وَلَا عَمَلٍ, وَيَقُولُ أَهْلُ السُّنَّةِ: الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ وَالْقَوْلُ وَالْعَمَلُ. فَمَنْ قَالَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ فَقَدْ أَخَذَ بِالْوَثِيقَةِ. وَمَنْ قَالَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ فَقَدْ خَاطَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>