إلى فَامِيِّ (١) يعامله فنأخذ منه الحبتين ونأخذ للأخوات، وكان ربما مررتُ به وهو قاعد في الشمس وظهره مكشوف وأثر الضرب بيّن في ظهره، وكان لي أخ أصغر مني اسمه عليّ ويكنى أبا حفص، فأراد أبي أن يختنه فاتخذ له طعامًا كثيرًا ودعا قومًا، فلما أراد أن يختنه وجّه إلى جدي فدعاه، قال أبي: قال لي: بلغني ما قد أحدثته لهذا الأمر، وقد بلغني أنك قد أسرفت، فابدأ بالفقراء والضعفاء فأطعمهم، فلما أن كان من الغدِ وحضر الحجام وحضر أهلنا، دخل أبي إلى جدي فأعلمه أن الحجام قد جاء، فجاء جدي معه حتى جلس في الموضع الذي فيه الصبي، وخُتن وهو جالس فأخرج صرَيرَةً فدفعها إلى الحجام، وصرَيْرَة إلى الصبي، وقام فدخل منزله، فنظر الحجام إلى الصريرة فإذا فيها درهم واحد، ونظرنا إلى صرة الصبي فإذا فيها درهم، وكنا قد رفعنا كثيرًا ما قد افترش، وكان الصبي على منصة مرتفعة على شيءٍ من الثياب المصبغة، فلم ينكر من ذلك شيئًا، قال: فقدم علينا من خراسان ابن خالةِ جدّي فنزل على أبي، وكان يكنى بأبي أحمد، فلما كان يوم من الأيام وقد صلينا المغرب، قال لي أبي: خذ بيد أبي أحمد فامض به إلى جدك، فدخلت على جدي وهو قائم يصلي بعد المغرب فجلست، فلما فرغ من ركوعه قال لي: جاء أبو أحمد؟ قلت: نعم. قال: قل له يدخل. فقمت إلى أبي أحمد فدخل معي فجلس، فصاح بامرأة كانت تخدمه مَسْبِيَّة من سَكَانه، فجاءت بطبق خِلَافٍ وعليه خبز وبقل وخَلّ ومَلح، ثم جاءت بغضارة من هذِه الغلاظ فوضعتها بين أيدينا، وإذا فيها مصليّة فيها لحم وسلق كثير، فجعلنا نأكل وهو يأكل.
(١) الفامي: هو بائع الفوم وهو الزَّرع أو الحِنْطة، وأزْدُ الشَّراة يُسمون السُّنْبُل فُومًا، الواحدة فُومة، وقال بعضهم: الفُومُ الحمّص. "لسان العرب" مادة [فوم].