قال صالح: كنت عند أبي يومًا فدعاني النساء فقلن: قل لأبيك ليس عندنا دقيق -أو قال: خبز- فقلت له، فقال: الساعة، ثم أبطأ عليهم فعادوني فقلت له، فقال: الساعة، فبينا نحن كذلك إذا برجل يدق الباب فخرجتا إليه، فإذا رجل خراساني يشبه الفيج على كتفه عصا فيها جراب، فقلت له: ما حاجتك؟
فقال: حاجتي إلى أحمد بن حنبل، فدخلت فأخبرته.
فقال: عُدْ إليه فقل له: فيم قصدت؟ في مسأَلة، في حديث؟
فقال: ما قصدت في مسأَلة ولا حديث. فقلت له.
فقال: أدخله، فدخل الرجل فوضع العصا والجراب، ثم قال له: أنت أحمد بن محمد بن حنبل؟ قال: نعم.
قال: أنا رجل من أهل خراسان، مرض جارٌ لي فعدته، فقلت له: هل لك من حاجة؟ فقال: هذِه خمسة آلاف درهم تأخذها وتوصلها إلى أحمد بن حنبل بعد وفاتي، فقد قصدتك بها من خراسان.
فقال له: بيننا وبين هذا الرجل قرابة؟ قال: لا.
قال: فبيننا وبينه رحم؟ قال: لا.
قال: فبيننا وبينه نعمة يربها؟ قال: لا.
قال: ضُمَّها رحمك اللَّه. فرادَّه، فَخَشَّنَ له أبي، فحمل المال وانصرف. فلما كان بعد مدة كان جالسا بين الكتب فنظر فيها فرفع رأسه فقال: تدري يا صالح منذ كم كان الخراساني عندنا؟ قلت: لا، قال: اليوم أحد وستون يومًا، هل جعتم فيها أو فقدتم شيئًا!
"المناقب" لابن الجوزي ص ٣٠٠
قال عبد اللَّه: سمعت فُوران يقول: مرض أبو عبد اللَّه فعاده الناس -يعني: قبل المائتين- وعاده علي بن الجعد فجعل عند رأس أبي عبد اللَّه صُرّة. فقلت له: إن عليا قد جعل عند رأسك هذِه الصرة.