لقد صار في الآفاق أحمد محنة ... وأمر الورى فيها فليس بمُشْكلِ
ترى ذا الهوى جهلا لأحمد مُبغضا ... وتعرف ذا التقوى بحُبِّ ابن حنبل
"المناقب" لابن الجوزي ص ٥٢٣، "المنهج الأحمد" ١/ ١٢٦
قال أبو بكر محمد بن هارون بن حميد المُجَدَّر: لما دفنا أحمد بن حنبل
نشدنا ابن الخبازة فيه:
ومن أَفْضَت الدنيا إليه فعافَهَا ... وقال: هبلتِ، الدينُ أنبل متكلي
ومن رام إبليسُ استمالةَ قلبه ... فألفاه كالقِدْح الذي لم يُمَيَّل
ومن لم يزل في سنة اللَّه صابرًا ... على الضرب والأنكال والسجن مُذْ بُلي
كأني أرى الجلاد يثني سياطه ... على بدن بالٍ من الصوم مُنْحَل
وأعضاؤه تجري الدماء كأنها ... عيون إذا ما الصوت منكبه عَلي
وقد وهنت من شدة الضرب نفسه ... وحسَّ دَبِيبَ الموت في كل مَفْصِل
وقال له الجهال يا مُبْتَلَى أجِبْ ... فإنك إن تأب الإجابة تقتل
فقال على البرّ الرحيم توكلي ... أعوذ بربي من مقالة مبطل
ويا مَنْ يُعَافِي من يشاءُ ويبتلي ... أغثني بصبر منك غير مؤجَّل
وإن كنت في ذا الحال قدَّرْتَ مِيتَتي ... أَمِتْني سليمَ الدِّين غيرَ مبدِّل
فما حَجَبَ البرُّ الرحيم سؤالَه ... لقد خصَّه منه بصبرٍ معجل
فعاش حميدًا ثم مات مفردا ... به أحدٌ من دهره لم يمثل
فبُورك مولودًا وبورك ناشئًا ... وبورك كهلًا من أمينٍ معَدَّل
وبُورك مقبوضا وبورك ملحدًا ... وبورك مبعوثا إلى خير منزل
أرجِّي له الحسنى بإظهاره التُّقَى ... وما يشَإِ العلامُ بالسر يفعل
وبَعْدُ فإنَّ السنة اليوم أصبحَتْ ... معززة حتى كأن لم تذلل
تصول وتسطو إذا أقيم منارها ... وحُطَّ مَنار الإفك والزودر من عَل
وولى أخو الإبداع في الدِّين هاربا ... إلى النار يهوى مدبرًا غير مقبلِ