قال أبي: فانطلق بنا حتى دخلنا في الرحبة، فلما دخلنا منها وذلك في جوف الليل، وخرجنا من الرحبة عرض لنا رجل فقال: أيكم أحمد بن حنبل؟
فقيل له: هذا، فسلم على أبي ثم قال: يا هذا، ما عليك أن تقتل هاهنا، وتدخل الجنة هاهنا: ثم سلم وانصرف.
فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا رجل من ربيعة العرب، يعمل الشعر في البادية، يقال له: جابر بن عامر.
فلما صرنا إلى أذنة، ورحلنا منها، وذلك في جوف الليل، فتح لنا بابها، لقينا رجل ونحن خارجون من الباب وهو داخل فقال: البشرى فقد مات الرجل، قال أبي: وكنت أدعو اللَّه أني لا أراه.
قال صالح: فصار أبي ومحمد بن نوح إلى طرسوس، وجاء نعي المأمون في البذَنْدُون، فردا في أقيادهما إلى الرقة، وأخرجا من الرقة في سفينة مع قوم محبسين، فلما صارا بعانة، توفي محمد بن نوح، وتقدم أبي فصلى عليه، ثم صار إلى بغداد وهو مقيد، فمكث بالياسرية أياما، ثم صُير إلى الحبس في دار اكتريت عند دار عمارة. ثم نقل بعد ذلك إلى حبس العامة في درب الموصلية، فمكث في السجن منذ أُخذ وحُمل إلى [أن](١) ضُرب وخُلي عنه، ثمانية وعشرين شهرا.
قال أبي: فكنت أصلي بهم، وأنا مقيد. وكنت أرى فوران يحمل له في دورق ماء باردا فيذهب به إلى السجن.
"السيرة" لصالح ص ٤٨ - ٥٠
قال حنبل: سمعت أبا عبد اللَّه، وذكر الذين حملوا إلى الرقة إلى المأمون وأجابوا، وهم سبعة، فذكرهم، فقال هو: لا، لو كانوا صبروا وقاموا للَّه عز وجل لكان الأمر قد انقطع، وحذرهم الرجل -يعنى: المأمون- ولكن لما أجابوا
(١) في "السيرة": بغداد، والمثبت من "المناقب" لابن الجوزي ص ٤٠٧.