وسمعت أبا عبد اللَّه يقول: ما رأيت أحدا على حداثة سنه، وقلة علمه، أقوم بأمر اللَّه من محمد بن نوح، وإني لأرجو أن يكون اللَّه قد ختم له بخير، قال لي ذات يوم وأنا معه خلوين: يا أبا عبد اللَّه، اللَّه اللَّه اللَّه، إنك لست مثلي ولست مثلك، إنْ اللَّهُ ابتلاني فأجبت فلا تقتاس بي، فإنك لمست مثلي أنت رجل يقتدى بك، وقد مد هذا الخلق أعناقهم إليك؛ لما يكون فيك، فاتق اللَّه واثبت لأمر اللَّه، أو نحو من هذا الكلام، قال أبو عبد اللَّه: فعجبت من تقويته لي وموعظته إياي، ثم قال أبو عبد اللَّه: انظر بما ختم له، فلم يزل ابن نوح كذلك، ومرض حتى صار إلى بعض الطريق فمات، فصليت عليه، ودفنته أظنه قال: بعانة.
قال أبو عبد اللَّه: وكنت أدعو اللَّه ألا يريني وجهه -يعنى: المأمون- وذلك أنه بلغني أنه كان يقول: لئن وقعت عيني على أحمد لأقطعنه إربا إربا.
قال أبو عبد اللَّه: فكنت أدعو اللَّه ألا يريني وجهه. قال: فلما دخلنا طرطوس أقمنا أيامًا، فإذا رجل قد دخل علينا، فقال لي: يا أبا عبد اللَّه، قد -مات الرجل -يعني: المأمون. فحمدت اللَّه وظننت أنه الفرج، إذا رجل قد دخل، فقال: إنه قد صار مع أبي إسحاق المعتصم رجل يقال له: ابن أبي دؤاد وقد أمر بإحضاركم إلى بغداد، فجاءني أمر آخر وحمدت اللَّه على ذلك وظننت أنا قد استرحنا، حتى قيل لنا: انحدروا إلى بغداد.
قال أبو عبد اللَّه: فصيرت في سفينة من الرقة ومعي أسرى لهم، فكنت في أمر عظيم من الأذى. فقدم أبو عبد اللَّه إلى بغداد، وذلك في شهر رمضان وهو مريض فحبس في دار عمارة، وكان مقيدًا فحبس في ذلك الحبس قليلا، ثم تحول إلى سجن العامة في التغيير، فمكث في السجن نيفًا وثلاثين شهرا، فكنا نأتيه إلى السجن أنا وأبي وأصحاب أبي عبد اللَّه، فأكثر ذلك ندخل عليه حينا وحينا لم يأذن لنا السجان، فسأله أبي أن يحدثني ويقرأ علي وقال له: أنت