فقلت: نعم هكذا هو. قال: فجعل ابن أبي دؤاد ينظر إليه، ويلحظه متغيظا عليه.
قال أبي: وقال بعضهم: أليس قال: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الأنعام: ١٠٢]؟
قال: قلت: قد قال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}[الأحقاف: ٢٥] فدمرت إلا ما أراد اللَّه.
وقال: فقال لي بعضهم فيما يقول، وذكر حديث عمران بن حصين:"إنَّ اللَّه تبَارَكَ وَتَعَالَى كَتَبَ الذِّكر" فقال: "إنَّ اللَّه خَلَقَ الذِّكْرَ".
فقلت: هذا خطأ، حدثنا غير واحد:"كتَبَ الذِّكْر".
قال أبي: فكان إذا انقطع الرجل منهم اعترض ابن أبي دؤاد يتكلم، فلما قارب الزوال، قال لهم: قوموا، ثم حبس عبد الرحمن بن إسحاق، فخلا بي وبعبد الرحمن، فجعل يقول لي: أما كنت تعرف صالحا الرشيدي؟ كان مؤدبي، وكان في هذا الموضع جالسا، وأشار إلى ناحية من الدار، فتكلم وذكر القرآن، فخالفني، فأمرت به فسحب ووطئ.
قال أبي: ثم جعل يقول لي: ما أعرفك، ألم تكن تأتينا؟
فقال له عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين، أعرفه منذ ثلاثين سنة، يرى طاعتك والحج والجهاد معك، وهو ملازم لمنزله.
قال: فجعل يقول: واللَّه إنه لفقيه، وإنه لعالم، ومما يسرني أن يكون مثله معي، يرد عني أهل الملل، ولئن أجابني إلى شيء له فيه أدنى فرج لأطلقن عنه بيدي، ولأوطئن عقبه، ولأركبن إليه بجندي، ثم التفت إلي فيقول: ويحك يا أحمد ما تقول؟
فأقول: يا أمير المؤمنين: أعطوني شيئًا من كتاب اللَّه أو سنة رسوله صلى اللَّه عليه وسلم.
فلما طال بنا المجلس ضجر، فقام، فرددت إلى الموضع الذي كنت فيه. ثم وجه إلي برجلين سماهما وهما، صاحب الشافعي، وغسان، من أصحاب ابن أبي دؤاد، يناظراني فيقيمان معي، حتى إذا حضر الإفطار وجه إلينا بمائدة