تأولوه، ورأي رأوه، وقد نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن جدال في القرآن، وقال:"المراء في القرآن كفر"(١). ولست صاحب مراء ولا كلام، وإنما أنا صاحب آثار وأخبار، فاللَّه اللَّه في أمري، فارجع إلى اللَّه، فوالله لو رأيت أمرًا وضح لي وتبينته، لصرت إليه.
فأمسك، وكان أمره قد لان، لما سمع كلامي ومحاورتي عرف فلم يترك، وكان أحلمهم وأوقرهم وأشدهم عليَّ تحننا، إلا أنهم لم يتركوه، واكتنفه إسحاق وابن أبي دؤاد، فقالا له: ليس هو من التدبير تخليته هكذا، يا أمير المؤمنين ابل فيه عذرا، يا أمير المؤمنين هذا يناوئ خليفتين، هذا هلاك العامة، وقال له الخبيث: يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل، وتكلم أهل البصرة المعتزلة فقالوا: يا أمير المؤمنين، كافر، يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل، وقال له إسحاق: ليس من تدبير الخلافة تخليته هكذا، يغلب خليفتين؟ فعند ذلك اشتد علي وغلظ وعزم على ضربي، وكان من أمره ما كان.
قال حنبل: سمعت ابن عمي عبد اللَّه بن حنبل قال: قلت لأبي عبد اللَّه، في الحبس إلي أي شيء دعيتم؟ قال: دعينا إلى الكفر باللَّه.
قال أبو عبد اللَّه: حتى إذا كان ذاك وانقطع ابن أبي دؤاد، وأصحابه، نحاني وخلا بي وبعبد الرحمن، فقال: يا أحمد، إني عليك مشفق، فأجبني، واللَّه لوددت أني لم أكن عرفتك. يا أحمد، اللَّه اللَّه في دمك
(١) رواه أحمد ٢/ ٥٠٣، وأبو داود (٤٦٠٣) من طريق أحمد. وصححه ابن حبان ٤/ ٣٢٤ (١٤٦٤)، والحاكم ٢/ ٢٢٣، ورواه البيهقي في "الشعب" ٢/ ٤١٦ (٢٢٥٥)، كلهم من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعا. وصححه الألباني في "المشكاة" (٢٣٦)، و"الترغيب" (١٤٣).