للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كُلُّ سُنَّةٍ مِنْ هَاتَيْنِ السُّنَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّةً فِي مَوْضِعِهَا، وَلَا يُبْطِلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ لِلْأُخْرَى أَنَّ مَعْنَى كُلِّ سُنَّةٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْنَى الْأُخْرَى، وَقَدْ تَأَوَّلَ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَكَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ مَذْهَبِهِ اسْتِعْمَالُ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا إِذَا وَجَدَ إِلَى اسْتِعْمَالِهَا سَبِيلًا، كَاخْتِلَافِ صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فِيهَا، هَذَا لَوْ كَانَتِ الْأَحْوَالُ لَا تَخْتَلِفُ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنْ صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا صَلَّى الْمَأْمُومُونَ قِيَامًا إِذَا طَافُوا، وَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ فَرْضَهُ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ: أَمْرُ النَّبِيِّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَنْ حَدَّثَ مَعَهُ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَمَنْ خَلْفَهُ جُلُوسٌ، مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى بِهِمْ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَالِسًا وَصَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي رَجُلٍ صَلَّى بِقَوْمٍ جَالِسًا مَرِيضًا وَهُمْ جُلُوسٌ قَالَ: لَا يُجْزِيهِ وَلَا يُجْزِيهِمْ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي مَرِيضٍ صَلَّى قَاعِدًا يَسْجُدُ وَيَرْكَعُ فَائْتَمَّ بِهِ قَوْمٌ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا، قَالَ: يُجْزِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَاعِدًا يَوْمِي إِيمَاءً، أَوْ مُضْطَجِعًا عَلَى فِرَاشِهِ يَوْمِي إِيمَاءً، وَالْقَوْمُ يُصَلُّونَ قِيَامًا قَالَ: لَا يُجْزِيهِ وَلَا يُجْزِي الْقَوْمَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ قَاعِدًا، وَحُكِيَ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِالْقَوْمِ جُلُوسًا، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جُلُوسًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>