قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لَا نَفْعَلُهُ، وَلَا نَعِيبُ فَاعِلًا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَبُو أَيُّوبَ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِنَّمَا هُوَ لَا صَلَاةَ بَعْدَ مُضِيِّ آخِرِ وَقْتِهِ، وَآخِرُ وَقْتِهِ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ أَنْ يَتَطَوَّعُوا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا دَامُوا فِي وَقْتِهَا، فَإِذَا خَشُوا فَوَاتَ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَتَشَاغَلُوا بِغَيْرِ الْفَرْضِ لِئَلَّا يَفُوتَهُمُ الْوَاجِبُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ صَلَّى أَحَدُهُمَا الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَخَّرَهَا الْآخَرُ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ يُكْرَهُ لِلَّذِي صَلَّى الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهَا لِلْمَعْنَى الَّذِي كَرِهَهَا لَهُ عُمَرُ؛ وَذَلِكَ لِئَلَّا يُدَاوِمَ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَلَمْ يَكْرَهْ لِلَّذِي لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ أَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَهَا إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا لَكَرِهَ ذَلِكَ لِلرَّجُلَيْنِ وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عَلَى مَا وَصَفْتُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ لَا يَلْزَمُ، وَكُلُّ صَلَاةٍ كَانَ صَاحِبُهَا يُصَلِّيهَا فَأَغْفَلَهَا، وَكُلُّ صَلَاةٍ أُكِّدَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا كَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ، وَذِكْرِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ صَلَّاهُمَا النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ الْعَصْرِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ، وَذِكْرِ الصَّلَاةِ لِلطَوَافِ، وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ النَّهْيَ فِيمَا سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَكَانَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَقُولَانِ: لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا صَلَاةً فَاتَتْهُ أَوْ عَلَى الْجَنَازَةِ إِلَى أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسُ لِلْغَيْبُوبَةِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يُصَلِّي رَجُلٌ تَطَوُّعًا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا إِذَا قَامَتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute