منذ أن خلق الله الإنسان أوجد فيه القلب والعقل، والعاطفة والفكر، ووهبه القدرة والإرادة، أمره وزوجه أن يسكنا الجنة، ونهاهما عن أكل الشجرة، وكان أمره - سبحانه - ووهبه لمقتضي ألوهيته وربوبيته على من كانت مقتضابات بشريته وآدميته محلاً صالحاً للعبودية التامة. ومن أول وهلة نجد أن هذه الحقيقة التي تثبتها عقيدة الرسل الكرام - عليهم السلام - ابتداء، تقول لنا: إن هذا بيان حاسم للتفريق بين ألوهية الباري - سبحانه وتعالى - المقتضيه للخلق والامر، كما يشاء وفق عمله وحكمته، وبين عبودية الخلق المقتضيه للسمع، والانقيادة، وفق التركيب الرباني الموجود في بنى الإنسان المتجلي في الإدارة والقدرة.
ومن هنا تتقرر قاعدة الجد والقصد، والحق في بناء هذا الكون بالتفريق بين حقيقة الألوهية بحقوقها ولوازمها، وبين حقيقة العبودية بحدودها وضوابطها، وما يترتب على هاتين الحقيقتين من علامات وصفات ونتائج.
وهذه هي البداية الأولى لقضية التوحيد بالنسبة للبشر في الأرض، بدات من آدم - عليه السلام - أبي البشر مروراً بالانبياء والمرسلين - عليهم السلام - حتى قيام الساعة، تحددت بها مهمة الإنسان في هذا الوجود واتضحت وظيفته في هذه الحياة.
(فالإنسان وكل مخلوق فقير إلى الله بالذات، وفقره من لوازم ذاته ن يمتنع أن يكون إلا فقيراً إلى خالقه، وليس أحد غنياً بنفسه إلا الله وحده، فهو الصمد الغني عما سواه وكل ما سواه فقير إليه.