وهذا القول من الترهات التي يرويها الصوفية ومن لا علم عنده بالسنة والآثار.
هذه هي جملة المآخذ على كتاب الطرطوشي, وهي بالنسبة لما فيه من العلم والفوائد, كالشعرات البيض المعدودة في الحيوان الأسود.
[* أما كتاب الاعتصام للشاطبي:]
فهو العمدة في هذا الباب, والمورد لكل من تكلم في البدعة بعده, فقد نزع الشاطبي- رحمه الله- في هذا الكتاب بقوة فما رؤي عبقري يفري فرية حتى ضرب الناس حول كتاب الاعتصام بعطن, وعلوا منه ونهلوا وحرموا ليدركوا شأوه فما وصلوا.
ومؤلفه- رحمه الله- من العلماء الذين تحروا من ربقة التقليد الأعمى, ونير الجمود والتعصب المذهبي, واستقل في زمن كثر فيه إتباع العوائد والآباء, والمشائخ والمذاهب, مع ما حباه الله من توسع في العلوم الشرعية والعقلية, وإلمام بالأخبار والآثار غير يسير, أما علم الأصول الذي به تفهم مقاصد الشرعية, وقواعدها وكلياتها, فمن أحسن الناس علماً بهو وحسبك في أصول الفقه من بين المؤلفات كتاب الموافقات, وأما اللغة العربية فله فيها الطولى والباع العريض, وقد ذكر مترجموه مؤلفات له في أصول النحو وشرح الألفية, وصفها بعضهم بأنها لم يؤلف مثلها.
فانعقدت لهذا الإمام الجليل ألوية العلم, وجمع بين معرفة الآثار والعلم باللغة, وفهم مقاصد الشريعة, فتأهل لخوض ميدان التأصيل والتقعيد في مجال السنة والبدعة, فأجاد وأفاد, والناظر فيه وفي آثاره في الخلق وما لقيه من قبول ومحبة, يوقن أن أبا إسحاق قد بورك له في علمه وعمله, فرحمه الله ورضي عنه.