وقد ذكر في مقدمة كتابه منة الله عليه في فهم معاني الشريعة ومقاصدها وأن من أعظم ذلك الإيقان بأن كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- لم يتركا في سبيل الهداية لقائل ما يقول, ولا أبقيا لغيرهما مجالاً يعتد فيه.. وأن الدين قد كمل والسعادة الكبرى فيما وضع, والطلبة فيما شرع, وما سوى ذلك فضلال وبهتان وإفك وخسران.
وبين أنه اختار طريق الدليل والمشي مع الجماعة, التي هي السواد الأعظم والسبيل الذي كان عليه محمد-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه, ثم ذكر أنه تولى من الأعمال المتصلة بالناس الخطابة والإمامة, وأراد أن يسلك فيها طريق الاستقامة على السنة, بترك العوائد البدعية التي ألفها جمهور أهل زمانه, وأنه نظر في أمره هذا بين أن يتبع السنة ولو خالف ما اعتاد الناس وألفوا, وما يترتب على هذه المخالفة من اتهامات وأضرار تلحق به, أو يتبع ما ألف الناس من البدع معرضاً عن السنة, ونهج السلف الصالح وأنه اختار متابعة السنة, لأن الهلاك في إتباعها هو النجاة, وأن الناس لن يغنوا عنه من الله شيئاً, وأنه عزم على ذلك متخذاً طريق التدرج في بعض الأمور, فلما أنفذ- رحمه الله- عزمه هذا وذلك بترك الدعاء الجماعي في أدبار الصلوات, وترك التزام ذكر الخلفاء الراشدين في الخطبة وترك الدعاء للسلاطين فيها, كانت النتيجة كما قال هو-رحمه الله-: (فقامت علي القيامة وتواترت على الملامة, وفوق إلى العتاب سهامه, ونسبت إلي البدعة والضلالة, وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة....) .
وأدت مقاومته العملية لهذه البدعة المعتادة أن نسب إلى الرفض, وبغض الصحابة, وإلى اتهامه بأنه يجوز الخروج على السلطان, والتخلي عن طاعته, وأنه يقول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه ... وأنه يلتزم الحرج والتنطع في الدين