من سمات هذه الفترة الانفتاح على الثقافات والعلوم والفنون المختلفة، ودخول طوائف من البشر من مختلف الشعوب في الدين الإسلامي، وترجمة الكتب التي تحوي فلسفات وأفكار أمم سلفت..
وكان لكل هذا الأثر البالغ في إيجاد بدع مبتكرة جديدة، أو في تاصيل بدع سبقت.
وكما أسلفنا فإن عبد الواحد بن زيد وتلامذته الذين كانوا في البصرة هم البذرة الأولى للتصوف بمعناه المتضمن إيجاد طريقة في العبادة، ليست من المشروع في الدين.. وكانت هذه البذرة قد نشأت في جو قابل للترعرع والنماء في البصرة، بتأثير العوامل الدينية مع العوامل السياسية والاقتصادية، فنشأت هذه البذرة في تلك البيئة القابلة، ثم اتسع نماؤها فتجاوزت حدود المبالغة في الزهد، والعبادة، والخوف، وتجاوزت محل النشأة إلى بلدان أخرى، فأصبحت الصوفية علماً يتخذ من الكلام المحدث والعمل المبتدع طريقة متميزة، وأصبحت كذلك علماً على طائفة متميزة مخصوصة بسلوك وعلم وعمل، ثم اتسعت المسألة حتى أصبح لهؤلاء وأتباعهم فلسفة تقوم على ما يشبه الباطنية، التي اتسعت آنذاك وانتشرت أفكارها، فكان علم الباطن وعلم الحقيقة، الذي يعتمد على ما وراء الظاهر من ذوق ووجد، على أساس هذا العلم تناولوا القرآن والسنة.
وبدأ الحديث عن الفناء والبقاء، والصحو والمحو والصلم والوسواس، وغير ذلك من المصطلحات الصوفية المحدثة.. ونشأت الفُرقة العلمية والعملية في تناول المبتدعة للشرع الحنيف، فالمتكلمة تناولوا النصوص بميزانهم العقلي، والمتصوفة تناولوها بميزانهم الذوقي، وانتهى كل منهما إلى الفلسفة المحضة، كما انتهت الباطنية إلى ذلك من قبل، وذلك بتناولهم النصوص على أساس باطني فلسفي، يستتر بالرفض ويبطن الكفر المحض.