وبالجملة فإن قول المبالغين في الأخذ بالقياس: إن في أحكام الشريعة ما يناقض القياس الصحيح، نوع ابتداع يتجلى بالنظر في الأحكام التي يقال أنها على خلاف القياس والنظر إلى القياس، فإنما الأحكام التي قالوا فيها أنها على خلاف القياس فهي على نوعين:( ... نوع مجمع عليه، ونوع متنازع فيه، فما لا نزاع في حكمه تبين أنه على وفق القياس الصحيح) .
وهذا النوع من الأحكام لا يمكن أن يخالف القياس الصحيح، فإذا قال بذلك قائل فقد ابتدع.
وأما النوع المتنازع فيه فالأمر فيه أهون، وإن كانت طريقة أهل الحديث في مثله أقوم وأسلم، إذ أنهم يخطئون من قال بالتعارض، ويجعلون النص إما موافق للأصول وإذا لم يمكن ذلك جعلوه أصلاً كما أن غيره أصل ...
قال شيخ الإسلام:( ... فقال المتبعون للحديث: بل ما ذكرتموه خطأ والحديث موافق للأصول ولو خالفها لكان هو أصلاً، كما أن غيره أصل، فلا تضرب الأصول ببعضها ببعض، بل يجب اتباعها كلها، فإنها كلها من عند الله) ، هذا في حالة وجود القياس الصحيح، أما إذا كان القياس فاسداً فلا عبرة به، إذا هو في حد ذاته بدعة كما سبق بيانه عند ذكر الآثار الذامة للقياس والرأي.
[القول الوسط في القياس:]
بالجملة أن لفظ القياس لفظ محتمل، فهو ينقسم إلى حق وباطل وممدوح ومذموم، ومقبول ومردود، وصحيح وفاسد، ولهذا لم يجيء في القرآن مدحه أو ذمه ولا الأمر به ولا النهي عنه.