ذلك شيخ الإسلام مبيناً السبب في بقاء بعض أصول المعتزلة معه فقال:
(.. ولهذا كان هو - أي الأشعري - وأمثاله يعدون من متكلمة أهل الحديث، وكانوا هم خيرة هذه الطوائف، وأقربها إلى الكتاب والسنة، ولكن خبرته بالكتاب والسنة كانت مجملة، وخبرته باكلام كانت مفصلة، فلهذا بقي عليه بقايا من أصول المعتزلة) وهذا القول لا ينافي ما ذكرنا من كونه استقر على اعتقاد السلف، وقال بقولهم، وسلك طريقة أهل السنة والحديث، وذهب إلى ما كان يقوله إمام أهل السنة أحمد بن حنبل.
ولكن يمكن أن يقال إن الأشعري مع كل هذه التوبة الصادقة، بقيت معه بقايا من علم الكلام لا يقر عليها، ولا تنقص من فضله (والأشعري ابتلي بطائفتين، طائفة تبغضه، وطائفه تحبه..) وخير من ذلك ما قاله شيخ الإسلام، بعد أن ذكر طائفة من العلماء، الذين كانت لهم مقولات مبتدعة وأقوال مخالفة للصواب.. قال:(.. ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة، وحسات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين، ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق، وعدل وإنصاف، لكن لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداءً عن المعتزلة، وهم فضلاء عقلاء، احتاجوا إلى طرده، والتزام لوازمه، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين، وصار الناس بسبب ذلك: منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل، وخيار الأمور أوساطها.. والله يتقبل من جميع عباده الحسنات، ويتجاوز لهم عن السيئات.. ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه..) .