هـ- النظر في دليل حكم المسألة لابد أن يكون من الكتاب والسنة، أما النظر في مناط الحكم، فإنه لا يلزم أن يكون المناط ثابتاً بدليل شرعي فقط، فيصح استفتاء القلب في مناط الحكم إذا لم يكن منصوصاً عليه، ومثال ذلك: إذا سأل العامي عن الفعل الذي ليس من جنس الصلاة، إذا فعله المصلي هل تبطل صلاته أم لا؟ فقال له العالِم إذا كان الفعل يسيراً لم تبطل، وإن كان كثيراً بطلت صلاته ...
كان ذلك كافٍ في أن ينظر العامي في الفعل الذي هو مناط الحكم، فيميز بين اليسير والكثير، وفي هذا المثال الأدنى دليل على ما هو أعلى في مسألة مناط الحكم، ومثله الدم الفاحش على الثوب وحكمه في الصلاة ...
وهذا التفريق بين دليل الحكم ومناط الحكم، هو ما يمكن أن يطلق عليه من وجه آخر الأحكام الكلية، والأحكام المعينات.
(فإن الشارع بين الأحكام الكلية وأما الأحكام المعينات التي تسمى تنقيح المناط، مثل كون الشخص المعين عدلاً أو فاسقاً، أو مؤمناً، أو منافقاً، أو ولياً لله، أو عدواً له، وكون هذا المعين عدواً للمسلمين يستحق القتل، وكون هذا العقار ليتيم أو فقير يستحق الإحسان إليه، وكون هذا المال يُخاف عليه من ظلم ظالم، فإذا زهد فيه الظالم انتفع به أهله، فهذه الأمور لا يجب أن تعلم بالأدلة الشرعية العامة الكلية، بل تعلم بأدلة خاصة تدل عليها.
ومن طرق ذلك الإلهام، فقد يُلهم الله بعض عباده حال هذا المال المعين، وحال الشخص المعين، وإن لم يكن هناك دليل ظاهر يشركه فيه غيره ". وهذا المعنى لا ينطبق على المحدثات بوجهٍ من الوجوه، لأن أدلتها العامة الكلية من أوضح الواضحات في دين الله، فلا يرجع فيها بحال من الأحوال إلى الإلهامات، أو زوال الحرج في النفس والقلب، لأنها منضوية تحت الأحكام الكلية في الشريعة، وجميع