وهذا النوع من العمل من باب وضع الحكمة في غير موضعها, فسامع الكلام الذي لا يصل إليه فهمه إما أن يفهمه على غير وجهه وهو الغالب, وهذه فتنة تؤدي إلى التكذيب بالحق والشك في الشرع والعمل بالباطل, وإما لا يفهم منه شيئاً وهو أسلم من سابقه, ولكن المحدث لم يعط الحكمة حقها من الصون بل صار في التحديث بها كالعابث بنعمة الله ومن منح الجهال علماً أضاعه..
ومثال ذلك أن يطرح على العوام بعض أحاديث الصفات-كحديث الصورة- التي لا تصل إليها أفها مهم, أو بعض شبهات المبتدعة والكافرين, أو بعض النصوص التي قد تبدو للجاهل وبادي الرأي متعارضة, أو بعض مسائل الاختلاف, أو الحديث عن مسائل القضاء والقدر وأطفال المشركين, ووالدي الرسول, ونحو ذلك من المسائل التي قد تكون فتنة للجاهل والعامي.
ولأجل هذا جاء انهي عن كثير من السلف عن الأغلوطات والمسائل المشكلة, وقد ترجم لهذا المعنى البخاري في صحيحه فقال:(باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا) .
ثم ذكر حديثاً موقوفاً على علي-رضي الله عنه- أنه قال:(حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله) .
وفي مسلم عن عبد الله بن مسعود رض الله عنه قال:(ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) .
قال الذهبي في سير النبلاء: (كذا ينبغي للمحدث أن لا يشهر الأحاديث التي يتشبث بظاهرها أعداء السنن من الجهمية ... وأهل الأهواء والأحاديث