كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه "، ومن هذا القسم ترك المباح الصرف لما هو أفضل، لا من باب تحريم ما أحل الله ولكن من باب الزهد والتخفيف من المباحات فهذا من الفضائل خصوصاً إذا خشي الاشتغال بها عن ما هو أفضل منها، ولم يعتقد حرمتها أو كراهتها أو الامتناع عنها بتاتاً، فإن اعتقد ذلك فيما هو مباح فقد ابتدع.
الثالث: أن يترك المباح الذي يكرهه طبعه، وهذا لا حرج فيه بشرط أن لا يعتقد حرمة أو كراهة هذا المباح، وأصل هذا امتناع الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الضب، ففي البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما عن خالد بن الوليد رضي الله عنه: (أنه دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، فقال بعض النسوة: أخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل، فقالوا: هو ضب يا رسول الله فرفع يده، فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال:" لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه "، قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر) .
وفي رواية أخرى عن ابن عباس أيضاً: أن أضباً (دعا بهن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكلن على مائدته، فتركهن النبي - صلى الله عليه وسلم - كالمعتذر له، ولو كان حراماً ما أكلن على مائدته ولا أمر بأكلهن) .
فهذا من ترك المباح بحكم الجبلة والطبع ولا شيء فيه.