للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشبهات المحرقة، ليصبح عبداً للإله الواحد الأحد، الفرد الصمد، ثم ليكون بعد ذلك في نور التوحيد معتصماً بالعروة الوثقى لا انفصام لها.

وفي فترة حياة الرسول - عليه السلام - كان ينزل الوحي الكريم، فكان منه ري القلوب، وشبع العقول، وطمأنينة الأرواح، وكان الصحابة - رضوان الله عليهم - يجدون فيه أمنهم وأمانهم، وإسلامهم وإيمانهم، فمنه كانوا ينهلون وعليه كانوا في أقوالهم وأعمالهم واعتقادهم يعتمدون.

استناروا بنوره فلم يضلوا، وتمسكوا بقوته فلم يذلوا، آمنوا بغيبه وعملوا بشرعه، فخافوا من وعيده واطمأنوا لوعده، حفظوه من بعد أن وعته قلوبهم، وفهمته عقولهم، وطبقته جوارحهم.

وكان الوحي الطريق الوحيد لاعتقادهم، والسبيل الفريد لأعمالهم، فلم تجرفهم الشبهات، ولم تلعب بهم الأهواء، فكانوا على هدى من الله وفي صراط مستقيم، قدوتهم نبيهم، يبلغهم عن ربهم، فيصل الأرض بالسماء ويربط الدنيا بالآخرة.. وبه كانوا يقتدون، وعلى سنته يسيرون، أفعاله وأقواله وأحواله - عليه السلام - محط أنظارهم، ومجال تنافسهم، وقرة أعينهم وبهجة أفئدتهم، فكانوا لذلك خير أمة أخرجت للناس، وكانوا خير القرون.. أهم ما يشغلهم تطبيق هذا الدين، واتباع الرسول الأمين، والحذر من مخالفته بالتقصير عنه، أو الاستدراك فيه، أو الإفراط بالغلو والتعمق والتنطع، أو التفريط بالتكاسل والتهاون، فكانوا بذلك أمة وسطاً وكانوا على عقيدة واحدة؛ لإدراكهم زمن الوحي، وحيازتهم شرف صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وشدة تمسكهم بالمأثور، ونفورهم من الابتداع والافتراق، وإن كان قد حصل بينهم تنازع في مسائل الاجتهاد؛ فذلك لسعة هذا الباب، وارتفاع الملام عن كلا المتنازعين باجتهاد.

إلا أن الصحابة الكرام لم يتنازعوا في مسألة من قواعد هذا الدين أو كلية من كلياته، أو أصل من أصوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>