بذرة لفرقة تخرج فيما بعد، لما التفت لها إلا كما التفت إلى اعتراضات المنافقين أو اليهود، وذلك أن نور النبوة الساطع كان هو الأعم الأغلب، ومثل هذه النتوءات الضئيلة ما كانت لتحجب ضوء الرسالة الصافي.
(والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ذكر الخوارج الحرورية لأنهم أول صنف من أهل البدع خرجوا بعده، بل أولهم خرج في حياته فذكرهم لقربهم من زمانه..) .
قال شيخ الإسلام في المعنى الذي قررناه آنفاً:
(ومعلوم أنه كلما ظهر نور النبوة كانت البدعة المخالفة أضعف، فلهذا كانت البدعة الأولى أخف من الثانية، والمتأخرة تتضمن من جنس ما تضمنته الأولى وزيادة عليها، كما أن السنة كلما كان أصلها أقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت أفضل، فالسنن ضد البدع، فكل ما قرب منه - صلى الله عليه وسلم - مثل سيرة أبي بكر وعمر كان أفضل مما تأخر كسيرة عثمان وعلي، والبدع بالضد كلما بعد عنه كان شراً مما قرب منه، وأقربها من زمن الخوارج فإن التكلم ببدعتهم ظهر في زمانه، ولكن لم يجتمعوا وتصير لهم قوة إلا في خلافة أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه-) .
ويشير شيخ الإسلام بقوله: (إن التكلم ببدعتهم ظهر في زمانه - صلى الله عليه وسلم - إلى قصة ذي الخويصرة المروية في الصحيح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم قسماً أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال: يا رسول الله: