بِالْغَصْبِ أَوْ الْإِتْلَافِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ وَقَعَ فِي الْفِعْلِ فَمَنَعَ قَبُولَ الشَّهَادَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالسِّكِّينِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِالْإِقْرَاضِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ.
وَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِيقَاعِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي الْإِنْشَاءِ: بِعْتُ وَأَقْرَضَتْ. وَفِي الْإِقْرَارِ: كُنْتُ بِعْتُ وَأَقْرَضَتْ. فَلَمْ يَمْنَعْ قَبُولَ الشَّهَادَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِإِنْشَاءِ الْقَذْفِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا؛ لِأَنَّ فِي الْقَذْفِ صِيغَةَ الْإِنْشَاءِ، بِخِلَافِ صِيغَةِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي الْإِنْشَاءِ: زَنَيْتَ أَوْ يَا زَانٍ. وَفِي الْإِقْرَارِ يَقُولُ: قَذَفْتُهُ. وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَذْفٌ مُبْتَدَأٌ وَالْآخَرَ حِكَايَةٌ عَنْ الْقَذْفِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي السَّبَبِ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالصَّدَقَةِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِعَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ قَبَضَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ قَدْ قَبَضَهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِخَمْسِمِائَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَهَبَهُ مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ لَا يُقْبَلُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي حَقِّ الْعَيْنِ الْمِلْكَ بِسَبَبٍ يُخَالِفُ الْمِلْكَ بِغَيْرِ سَبَبٍ، فَإِنَّ الْمِلْكَ بِغَيْرِ سَبَبٍ يَكُونُ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى يُسْتَحَقَّ بِزَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ وَتَرْجِعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَالْمِلْكُ بِسَبَبٍ لَا يَكُونُ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى لَا تُسْتَحَقَّ الزَّوَائِدُ الْمُنْفَصِلَةُ وَلَا تَرْجِعَ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، بَلْ مِلْكًا حَادِثًا فَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ لِاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ، وَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِغَيْرِ سَبَبٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِهِ.
فَأَمَّا فِي حَقِّ الدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي الْمَقْبُوضِ فِي الْحَالَيْنِ مِلْكٌ حَادِثٌ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هَاهُنَا حَاصِلًا بِأَيِّ سَبَبٍ ثَبَتَ الدَّيْنُ فَلَمْ يَمْنَعْ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَاخْتِلَافِ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ فِي السَّبَبِ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ مِلْكٌ حَادِثٌ فَكَذَا هَذَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
عَنْ أَبِي ذَرٍّ: ادَّعَى دَارًا مِلْكًا مِنْ الْمَيِّتِ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ بِبَيْعِهَا مِنْهُ وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ أَنَّهَا دَارُهُ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى.
(مَسْأَلَةٌ) :
ادَّعَى عَلَيْهِ وَدِيعَةً عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَعْطَاهُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ أَمَانَةً وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَلَمْ يَقُلْ: أَمَانَةً. لَا تُقْبَلُ، وَعَدَمُ قَبُولِهَا عَلَى جَوَابِ فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لَيْسَ لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَعْطَى هَذَا الْمُدَّعِيَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُولَا: مِنْ جِهَةِ الدَّيْنِ. فَعَلَى جَوَابِ فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا اُنْظُرْ الْمَنِيَّةَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
ادَّعَى الْمَدْيُونُ إيفَاءَ الْقَرْضِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ الدَّيْنَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا تُقْبَلُ. عَنْ فَتَاوَى النَّسَفِيِّ.
(مَسْأَلَةٌ) :
ادَّعَى مَالًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ احْتَالَ عَنْ غَرِيمِهِ بِهَذَا الْمَالِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ غَرِيمِهِ بِهَذَا الْمَالِ يُقْبَلُ. عَنْ بُرْهَانِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ.